أجي نتعاودو...أو حين يكون المحاور عدميا




قدمت القناة الأولى،التابعة للقطب الإعلامي العمومي،برنامج حوار الذي يديره مصطفى العلوي،و الذي استضاف المنسق الوطني للحزب الليبرالي المغربي،الأستاذ محمد زيان....
أدار النقاش،بالإضافة للعلوي، رضوان الرمضاني و صحفيين آخرين...
لا أجادل في القيمة المضافة التي يمكن أن نجنيها من حوار بهذا الشكل،اللهم الترويح عن النفس، و الاستمتاع بما يتخلله (أي الحوار) من لحظات نكتة و بسط،تنسينا قليلا تجهم السياسيين،و اكفهرار وجههم ، حيال هذا التوتر الذي يشهده المشهد السياسي و الاجتماعي ببلدنا و بمحيطها الإقليمي و الدولي....
لن نتحدث عن منظور الزعيم الحزبي من مسألة دسترة الأمازيغية، و لا فهمه أساسا لهذه الإشكالية، التي يرهن حلها،كل المسار السياسي المغربي....كما لن نتحدث عن تصريح القائد السياسي، الذي يفيد كيف أن الملك ، و ليس محيطه و لا أحد من أصدقاءه، هو من فرض الوزراء الثلاثة،بنخضرا ، مزوار و بلخياط، على الحركة الشعبية، و كيف أنه تم نقلهم من الحركة الشعبية للحزب الأزرق، حين قرروا أن لا تستوزر الحركة الشعبية....لربما الحكاية أصبحت معروفة من شدة حكيها و نفيها في الآن نفسه....فقط التصريح بها في قناة عمومية يستوجب أكثر من وقفة....
أثير الانتباه لتصريح الصحفي المحاور، السيد رضوان الرمضاني، و هو يعلن أمام الملأ ، أنه لا يصوت، و لن يصوت....صيغة الماضي مقبولة نسبيا، في علاقتها ربما بغياب المناخ الديمقراطي،و سيادة الرشوة و التزوير،مما يجعل موقف عدم التصويت منسجما و قناعات أي مواطن،لا يريد تزكية واقع فاسد و موبوء، قارنا ذلك بنضاله من أجل إقرار آليات تقطع مع هذه الممارسات، و توطد لمناخ تسود فيه كل ضمانات الاستحقاقات الانتخابية النزيهة، و بالتالي ضمانة تصويت الصحفي رضوان الرمضاني....
لن أصوت، في صيغة المضارع و المستقبل، تنفتح على قراءات مختلفة....
إما أن الصحفي، ساقط الأهلية،و محروم من ممارسة حقوقه المدنية، على إثر حكم قضائي صادر ضده، و هو ما لا نعتقده في حالة الصحفي رضوان الرمضاني....
أو أن الصحفي ،على علم بما سيؤول إليه كل هذا الحراك الاجتماعي،و أن الإصلاح السياسي و الدستوري المزعوم، لن يتمخض سوى عن إنتاج نفس الواقع و نفس المناخ، و أن الرشوة و التزوير سيتأبدان في هذا البلد،و بالتالي لا داعي للحلم بممارسة ديمقراطية سوية، مبنية على احترام أصوات المواطنين....لا داعي للصحفي أن يكرسها، مما يعطي لموقفه بعدم التصويت مستقبلا مشروعية مواطنة، لا يمكن مجادلتها...
لن نقول أنه رجم بالغيب، فالكثير من المؤشرات تعطي مصداقية للتحليل أعلاه،تبقي ما ستجود به صراعات موازين القوى، بين مجتمع انتفض، و طبقة سياسية تستجيب بالجرعات هو المحك الحقيقي لهذا التحليل أو ذاك....
القراءة الثالثة و لعلها الخطيرة، هو أن الصحفي المحاور عدمي،لا يؤمن بقيم الديمقراطية، و بالتالي عدم تصويته هو موقف بنيوي،مرتكز على عدم الإيمان بآلية الانتخاب كسيرورة للمشروعية الديمقراطية....
العدمية، بهذا الشكل، و في حدود الاعتقاد الشخصي، هي حرية فردية ، لا دخل لنا بها، بل احترامها و الدفاع عن حرية اعتقادها واجب كل مواطن يؤمن بالاختلاف و التعايش وسط هذا الاختلاف....
أن يتم إشهارها،في قناة عمومية، و بواسطة صحفي ، يمثل السلطة المنافسة للسياسي، و في ضل النضال من أجل تأسيس تعاقد جديد، بين كل مكونات الطيف السياسي ،مبنية على تأصيل للديمقراطية،عبر آلية الانتخابات المرتكزة على التصويت،يطرح الكثير من علامات الاستفهام....
علامات استفهام حول مفهوم القيم المشتركة لأمة ما،في وطن ما،و هو هنا المغرب،و كيفية تدبير و احترام هذه القيم...الإشهار بعدم التصويت،هو دعوة لعدم التصويت،و هو ضرب لأهم مرتكز في البناء الديمقراطي...
وعي رجال الإعلام،و تملكهم، لمفاهيم المواطنة، و الديمقراطية، و التعايش و الاختلاف،و استشعارهم لجسامة آليات التواصل،و منها التلفزة، و مدى تأثيرها على صناعة الرأي العام...
نعتقد أنه لو تم تصريح بهذا الشكل في قناة عمومية فرنسية، لأقيمت الدنيا و لن تقعد، إلا باعتذار المعني أو تقديم استقالته إن لم يكن طرده من المنبر الذي يشتغل فيه، ليس استبدادا و لا ظلما، و إنما احتراما للخط الأحمر المرسوم اجتماعيا:عدم المساس بالمرتكزات التي تؤسس للديمقراطية....و لربما أهم مرتكز هو واجب و ضرورة التصويت.
لكن حمدا لله أننا لسنا سوى في المغرب،أرا أفمي و ما قال،و برنامج حوار يستهل بمكالمة هاتفية للضيف:آش بان ليك تجي نتعاودو مع العشرة ديال الليل في التلفزة؟؟؟.....


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير