أن يموت سميح القاسم، معناه أننا بدون وطن وبدون شعراء
لا نكتب مرثية الشعراء... ننسج من قصائدهم معاني الحياة ونخيطها كفنا لهم ومناديل نكفكف بها دمعنا... الشعراء الحقيقيون يموتون بصمت رغم ضجيج القصيدة وصراخ الروح في قوافيها....
كان على سميح القاسم أن يترجل عن صهوة الوجود، فما عادت الأحلام التي ولد من أجلها تكفي لتمد شرايين الدم المتعبة في جسده بنسغ الحياة.... ما عادت فلسطين توأم الثورة وما عادت الحرية تعني ديوان شعر ولا سفر على عجل من أجل حضن امرأة وترتيل النظم على مسامع المقهورين.....
لم نسترجع التراب هناك، لكن الوطن المستحيل حقق معجزة الشعراء... كانا، محمود درويش وسميح القاسم، العامودان اللذان رفعا الكلام فوق قدسية الله وأنبياءه.... ساروا بالقصيدة أبعد من الاستقلال ومن الدولة ومن الوطن....
رحل محمود درويش، وقال فيه سميح القاسم رثاءً يشبه الفرح.... وها هو الآن يغادرنا دون أن يكون لمحمود درويش فرصة رثاءه.... لعله سيكون في استقباله هناك، بقصيدة الانتظار وبفنجان قهوة وبحكايات الموت....
لا أحفظ الشعر كثيرا، لكنه يجرح كل دواخلي حين يكون نصله من مفردات الصدق... حين يكون حكاية الوجود وحكاية في الوجود...
اكتشفت سميح القاسم حكواتيا لا شاعرا، حين خصصت مجلة الاسبوع التي كانت تصدر من باريس، في بداية تسعينات القرن الماضي، حيزا تنشر فيه الرسائل التي تبادلها رفقة محمود درويش، ومن ضمن حكاياته ما عنونها : سيهطل المطر وتنبت الحقيقة...
حين كلفه والده، وهو الضابط المتقاعد، رفقة أخيه، من أجل حرث البيدر وزراعة الفاصوليا... ما كان قادرين على رفض أمر الوالد، وهما اللذان كانا على موعد مع أصدقائهما من أجل لعب مبارة في كرة القدم مصيرية.... تفتقت عبقريتهما على حيلة يراوغا بها الوالد، ويتمكنا من لعب كرة القدم.... اذ قصدا البيدر وحفرا حفرة كبيرة وطرحا فيها كل بذور الفاصوليا، ثم غطاها بالتراب وانصرفا إلى اللعب....
طبعا في المساء أشفق الوالد عليهما من تعب النهار، حين اعتقد أنه تعب العمل، بينما كان تعب اللهو واللعب....
مرت الأيام، والوالد يتفقد البيدر يوما عن يوم.... وكان يستغرب كيف لا تعطي الأرض علامات على نمو الفاصوليا....
ذات مساء، وقد كاد أن يقطع شك غش الولدين بيقين عزوف الأرض عن استنباث ما زرع في احشاءها، سألهما كيف زرعا الفاصوليا في ذلك اليوم؟
أخبره سميح أنهما حرثا الأرضا خطوطا، وزرعا الفاصوليا كما تعلما زرعها منه ومن جديهما الفلاح.... كان سميح القاسم يكذب وكان الوالد متيقنا من كذبه....
خاطبهما بلغة الشعراء: سيهطل المطر وتنبت الحقيقة....
هطل مطر كثير على وطن برمته، ونبتت حقائق هنا وأكاذيب هناك.... كان أكبر كذبة صادقة، ليس هو الحب كما كتب ذات قصيدة صديقه محمود درويش، لكنه الموت الذي اختطفهما الاثنين....
أن يموت سميح القاسم، معناه أننا بدون وطن وبدون شعراء...
بلغ سلامنا إلى الفارس الذي ترجل قبلك، واهمس في روحه: الموت شأن الأحياء لا شأن الموتى....
كان على سميح القاسم أن يترجل عن صهوة الوجود، فما عادت الأحلام التي ولد من أجلها تكفي لتمد شرايين الدم المتعبة في جسده بنسغ الحياة.... ما عادت فلسطين توأم الثورة وما عادت الحرية تعني ديوان شعر ولا سفر على عجل من أجل حضن امرأة وترتيل النظم على مسامع المقهورين.....
لم نسترجع التراب هناك، لكن الوطن المستحيل حقق معجزة الشعراء... كانا، محمود درويش وسميح القاسم، العامودان اللذان رفعا الكلام فوق قدسية الله وأنبياءه.... ساروا بالقصيدة أبعد من الاستقلال ومن الدولة ومن الوطن....
رحل محمود درويش، وقال فيه سميح القاسم رثاءً يشبه الفرح.... وها هو الآن يغادرنا دون أن يكون لمحمود درويش فرصة رثاءه.... لعله سيكون في استقباله هناك، بقصيدة الانتظار وبفنجان قهوة وبحكايات الموت....
لا أحفظ الشعر كثيرا، لكنه يجرح كل دواخلي حين يكون نصله من مفردات الصدق... حين يكون حكاية الوجود وحكاية في الوجود...
اكتشفت سميح القاسم حكواتيا لا شاعرا، حين خصصت مجلة الاسبوع التي كانت تصدر من باريس، في بداية تسعينات القرن الماضي، حيزا تنشر فيه الرسائل التي تبادلها رفقة محمود درويش، ومن ضمن حكاياته ما عنونها : سيهطل المطر وتنبت الحقيقة...
حين كلفه والده، وهو الضابط المتقاعد، رفقة أخيه، من أجل حرث البيدر وزراعة الفاصوليا... ما كان قادرين على رفض أمر الوالد، وهما اللذان كانا على موعد مع أصدقائهما من أجل لعب مبارة في كرة القدم مصيرية.... تفتقت عبقريتهما على حيلة يراوغا بها الوالد، ويتمكنا من لعب كرة القدم.... اذ قصدا البيدر وحفرا حفرة كبيرة وطرحا فيها كل بذور الفاصوليا، ثم غطاها بالتراب وانصرفا إلى اللعب....
طبعا في المساء أشفق الوالد عليهما من تعب النهار، حين اعتقد أنه تعب العمل، بينما كان تعب اللهو واللعب....
مرت الأيام، والوالد يتفقد البيدر يوما عن يوم.... وكان يستغرب كيف لا تعطي الأرض علامات على نمو الفاصوليا....
ذات مساء، وقد كاد أن يقطع شك غش الولدين بيقين عزوف الأرض عن استنباث ما زرع في احشاءها، سألهما كيف زرعا الفاصوليا في ذلك اليوم؟
أخبره سميح أنهما حرثا الأرضا خطوطا، وزرعا الفاصوليا كما تعلما زرعها منه ومن جديهما الفلاح.... كان سميح القاسم يكذب وكان الوالد متيقنا من كذبه....
خاطبهما بلغة الشعراء: سيهطل المطر وتنبت الحقيقة....
هطل مطر كثير على وطن برمته، ونبتت حقائق هنا وأكاذيب هناك.... كان أكبر كذبة صادقة، ليس هو الحب كما كتب ذات قصيدة صديقه محمود درويش، لكنه الموت الذي اختطفهما الاثنين....
أن يموت سميح القاسم، معناه أننا بدون وطن وبدون شعراء...
بلغ سلامنا إلى الفارس الذي ترجل قبلك، واهمس في روحه: الموت شأن الأحياء لا شأن الموتى....
تعليقات
إرسال تعليق