الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي


كلما سافر الملك إلى خارج البلاد، إلا وتطالعنا بعض الصحافة، الورقية والإلكترونية، بأخبار وصور، عن تجول الملك في شوارع البلدان التي يزورها، دون حراسة ودون برتوكول....
الأمور إلى هنا جيدة، وعادية، وربما مثيرة للإهتمام والاستطلاع، لولا ذلك الإحساس، بأن هناك وراء تسريب هذا النموذج من الصور والأخبار، رسائل للتحميل والاستيعاب... فماذا يريد، هذا أو هؤلاء الذين يدبرون صورة الملك من وراء هذا النمط من الأخبار والصور؟
الأكيد، أنه مند اعتلاء الملك عرش أسلافه، وهو، عبر الجانب المختص في ديوانه، يسعى إلى ترسيخ صورة الملك الشبابي، المتحرر والعفوي، المقبل على الحياة ومباهجها، رغم أن هذه الصورة تصطدم ببعض الأحداث التي تعيد رسم صورة الملك الموروثة عن والده الحسن الثاني رحمه الله، حين تتسرب أخبار عن غضباته ضد بعض الخروقات الطفيفة في ترتيبات البرتوكول، أو في الترتيبات الأمنية، والتي تطال الكثير من عناصر الأمن، من شرطة ودرك، والذي تهدم كل ما يراد رسمه عن شخصية الملك كما ذكر أعلاه...
فهل فعلا تخدم هذه التقنية الأهداف المتوخاة منها، وهل تعتمد الحقيقة في تنزيلها على المستوى الإعلامي؟
إن أي متابع نبيه قد يستنكر تجول الملك وحيدا في شوارع المدن التي يزورها، لأنه لسبب بسيط، ونظرا لتطور كل أشكال الجريمة وتعقد الملابسات الدولية والوطنية، يبقى من الحمق والجنون، أن تتجول شخصية عمومية في الأزقة والدروب، دون حراسة شخصية، لصيقة أو مقربة، وهو ما يقع في حالة تجول الملك والصور التي تنقل هذا التجول.... 
الحقيقة، هو أن الصورة لا تظهر الحراس المغاربة، لأنه ببساطة، وكما هو متعارف بين جميع الدول، فحراسة ومراقبة مجالات تحرك رؤساء الدول والشخصيات الأجنبية المهمة، موكول إلى عناصر أمنية تونسية، كما توكل نفس المهام إلى العناصر المغربية حين تزور بلدنا شخصيات من هذا المستوى.... مما يجعل من صور الملك وهو يتجول وحيدا وبدون حراسة، خدعة اعلامية، تنخرط فيها للأسف، الكثير من المنابر، عن وعي وبدون وعي...
الإنكى من هذا، هل تخدم هذه الأخبار وما يرافقها من صور وفيديوهات صورة الملك والمؤسسة الملكية؟ 
أخطر ما يمكن أن يخلص إليه المتتبع لهذه الأخبار، هو أن الملك وهو يتجول بدون حراسة في البلدان التي يزورها، بينما يتنقل وسط البلد بخفر، من شرطة ودرك وقوات مساعدة، بالإضافة إلى الترتيبات التي تسبق زيارته، من تفتيش وتنقية للمحيط وتشذيب للأشجار وزرع أخرى وما إلى ذلك من جلبة وحراك، وهما أمران ضروريا، من الناحية الأمنية، يمكن لكل هذا أن يوحي بأن بلدنا ليس آمناً بالمقارنة بالبلدان التي يتجول فيها دون حراسة ولا برتوكول... هذا مع استحظار واقع دستوري مهم، وهو كونه، أي الملك، هو المسؤول الأول عن هذا الأمن....
في مقابل كل هذا، لا يتم تسليط الضوء على نتائج الزيارات هذه، كونها زيارات عمل لا تجول في الشوارع بدون حراسة، كم الاتفاقيات التي وقعت، جديتها وتأثيرها على السياسات العمومية في البلد، وبين البلدين، فإلى حدود كتابة هذه السطور، لم ينشر موقع إلكتروني، ولا جريدة ورقية، لائحة بعناوين الاتفاقات المبرمة، كما لم تتم الإشارة إلى المجالات، الأمنية والعسكرية والإقتصادية التي نوقشت بين الطرفين...
ما سيتخلصه المغاربة، من زيارة ملكهم إلى تونس، كما من قبلها من الزيارات، أنه كان يتجول وحده ودون حراسة في شارع الحبيب بورقيبة... ونعم الإنجاز.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير