المعادلة الصعبة
انتشار الجيش والاستنفار الذي عرفه خلال الأسبوع الماضي عبر نشر قطع سلاح مختلفة حول مصالح حيوية بالمغرب، وعلى طول بعض السواحل المغربية، وما عرفته هذه الحركة غير مسبوقة من طرف الجيش من تكتم أولا، ومن استفراد بالقرار على مستوى الجهات العسكرية أو الجهات التابعة لها في الدولة العميقة، دون أدنى اخبار أو تشاور مع حكومة الموظفين العموميين التي يرأسها السيد بنكيران أو البرلمان .... كل هذا يستوجب طرح الكثير من الأسئلة، ليس على المنظمات والأحزاب والحركات السياسية، بل أيضاًعلى المستوى الفردي، في ارتباط بالحالات الوجودية التي تؤطر العلاقة مع أو ضد الدولة بشكل عام...
لا أرمي هنا إلى وضع أنموذج خطاطة شاملة، لكن فقط رمي بعض الحجرات في بركة الوعي النمطي، لاستفزاز أسئلة قد تكون مؤرقة لنا جميعا...
لم تكن الدولة في يوم من الأيام عدوا مطلقا، هي تعبير عن الارادة الجماعية في تسيير شؤون البلد، الصراع ضدها أو بجانبها يتحقق حسب درجة المشاركة، المباشرة أو بالثمثيلية، في هذا التدبير الجماعي... كلما أحس الفرد أنه ممثلا في طرق التسيير وفلسفتها كلما شعر بالانتماء إلى الدولة ودافع وذاذ عنها، والعكس صحيح، أي كلما شعر المواطن بإقصاءه من هذا الاحساس، نفر من الدولة وجعلها في مرمى نضالاته....
لنلاحظ جيدا أن التحديد أعلاه لا يتحدث عن مضمون الدولة، لا يهم هنا أن تكون ديمقراطية أو لا، علمانية أو لا، حداثية أو لا، ملكية أو جمهورية، لأنه ليس كل الذين يناضلون ضد الدولة هم بالضرورة ديمقراطيون وعلمانيون وحداثيون .... هناك من يناضل ضد هذه الدولة من أجل ترسيخ مضامين اجتماعية أكثر تخلفا مما هي قائمة عليه، وأكثر نكوصا وأكثر ديكتاتوريةً....
الاعتبار الثاني، لم تكن هذه الدولة في المغرب لتخرج كل ترسانتها العسكرية، وتستنفر كل وحدات جيشها، وتعسكر مناطق مدنية لاحتواءها على منشآت استراتجية، دون أن تكون هناك تهديدات حقيقية، حتى وهذه الدولة صامتة، إلا أن قراءة للوضع السياسي العالمي لا يخفي صدقية هذه التهديدات، والمتمثلة في قيام ما يسمى بدولة الخلافة في العراق والشام، وتدهور الوضع في ليبيا وفقدان السيطرة على أسطول كبير من الطائرات المدنية والعسكرية ووقوع مخزون هائل من الأسلحة يتمثل في أكثر من مليوني قطعة منه بين أيدي إرهابيين، وأخيرا وهذا هو المهم، بروز قيادات وقواعد دموية في هذه التنظيمات من أصول مغربية وظهور تهديدات مرتبطة بهذه القيادات تتوعد الوطن وتهدد بالسير نحوه لتقيم فيها ما تسميه شرع الله...
الاعتبار الثالث هو أن لهذه الدولة، للأسف، تاريخ طويل في احتقار الاطراف الاجتماعية الأخرى، وفي التسويف وفي المماطلة، ثم في بعث الرسائل الغريبة والجانبية... لا تلجأ إلى المشهد السياسي إلا في حالة فشلها الذريع، واستشعار ضرورة وجود رادع وقائي بينها وبين المواطن، وهذا ما حدث مثلا في ملف الصحراء، لكن لن يكون لها متسع من الوقت لممارسته حين وصول الدواعش إلى هنا.... هذه الممارسة أفقدت الثقة في مبادرات الدولة، وأصبح الطيف المجتمعي، الحزبي منه والمدني بشكل العام، يتوجس من كل تحرك حتى وهو يستشعر في وجدانه نفعية هذا التحرك وصوابه....
هل يمكن، من داخل هذه الاعتبارات: ضرورة الدولة، وخطورة الوضع وحالة التوجس، أن نبني شبه قالب رياضي Matrice، نستطيع به فك هذه المعادلة ذات المتغيرات المذكورة أعلاه؟
يجب بالتأكيد البحث عن نقطة الحد الأعلى للنفعية optimisation في هذه المعادلة، بين النضال من أجل استكمال ارساء دولة الحق والقانون ودمقرطة مؤسساتها ودمقرطة المجتمع ككل، وشيوع حرية التعبير وضمان الحقوق الاقتصادية والسياسية لكافة أبناء الوطن مع الالتفاف حول الدولة والجيش ومؤسساته الأمنية دفاعا عن وحدته ودفاعه عن حرية أبناءه التي تهددها الدواعش الداخلية والخارجية، دون السقوط في مفهوم جديد للاجماع الوطني وتقوية الجبهة الداخلية المرتكز حول المؤسسة الملكية دون ضمانات جدية حول ما سلف ذكره من نضالات، وطبعا دون دفع الاستعداء المجاني للدولة إلى درجة تفجيرها والسقوط غير الواعي في أهداف الحركات الارهابية ودفع البلد إلى نفس مصير الدول التي عرفت هيمنتها ودمويتها....
وحده التفكير العلني والجماعي حول هذه الاشكاليات ما سيمكننا، كأفراد أولا، وجماعات وتنظيمات ثانيا، من تحديد مواقفنا اتجاه هذا الذي يقع.... من أجل الوطن أول ومن أجلنا أخيراً...
تعليقات
إرسال تعليق