قراءة في ندوة أخطأت موضوعها


هناك قدر كبير من الاستخفاف بقضايا هذه البلاد،استخفاف بديمقراطيته المعطوبة،استخفاف بحركيته السياسية الهشة و البدائية،استخفاف بالوضع الاجتماعي لأبنائه التائهين بين هوية الفقر و حلم العيش الكريم،استخفاف بإعلامه الضعيف و الهش......
ليس الحاكمين وحدهم من يستخفون من كل الذي سبق ذكره، بل جهات من المفروض فيها أنها في ناصية القوى الرامية لتقدم البلاد،و على جميع المستويات المدنية و السياسية.....
مناسبة القول،ندوة بعنوان "الدعاية السياسية و الإعلام" التي نظمتها النقابة الوطنية للصحافة يوم الجمعة السابع من يناير 2011 بالمكتبة الوطنية بالرباط، و التي شارك فيها بالاضافة لرئيس النقابة، السيد يونس مجاهد، كل من السيد عبدالمنعم الديلامي،العربي المساري،عبدالله الساعف و أدار نقاشها الصجفي محتات الرقاص.....
كانت الندوة عبارة عن جلد للاعلام الاسباني في جانب تغطيته لقضايا المغرب السياسية و أحداث مخيم اكديم ايزيك و العيون بشكل خاص،و هو جلد اختلطت فيه المقاربة التاريخية الأصولية التي قدمها السيد العربي المساري من خلال قرائته لبعض الاصدارات الصحفية اليومية الاسبانية،و المقاربة الحداثية للجلد الاعلامي التي قدمها الأستاذ عبدالله الساعف و الذي لامس خلال تدخله اشكالية الانتفاخ الذاتي في فهم رؤية الاسبان لنا،دون أن يتمكن من تقعيد الاشكال كمظهر من مظاهر تخلف رؤيتنا،ثم مقاربة مقاولاتية قدمها الأستاذ عبدالمنعم الديلامي حول ضرورة بناء صورة المغرب اعلاميا لتنتهي الندوة بسرد أشكال تدخل مراكز النفوذ في توجيه الخطوط التحريرية للمؤسسات الاعلامية الكبرى في الجارة الاسبانية......
لربما قد يكون استعابي قصير،و رؤيتي متخلفة لما كان يمكن أن تكون عليه ندوة بهذه الصيغة،لكنني أخمن أن العنوان أخطأ الحدث،و كان يمكنه أن يكون "محاكمة الاعلام الاسباني"،او شيء من هذا القبيل.....
لكن و الأمور غير ذلك،فالندوة أخطأت موضوعها، لأنه كان لها أن تضع تقعيدا نظريا لمفهوم الدعاية السياسية، و تحديد تقاطعها و الإعلام من جهة و كذا تقاطعها مع فنون الإشهار و الدعاية في شكله التجاري المحض......
بدل أن تصب جام جلدها على الاعلام الاسباني، كان من باب أولى كما يقول الفقهاء، أن تنكب على تشريح جسد الاعلام الوطني،وكيف لم يستطع أن يسوق صورة المغرب من داخل مواقفه الرسمية و الغير الرسمية،و ما دامت الأمثلة حصرت في أحداث العيون و محيم ايكديم ايزيك، كان على المتدخلين أن يحللوا كيف لم يستطع الاعلام الوطني الانعتاق من الطوق الرسمي الذي كبل عنقه،و كيف انساق وراء الرواية الرسمية حول الأسباب و الأهداف،رغم أن مؤشرات عديدة ، تداولها الاعلام الأجنبي، و الاسباني بالتحديد،كان يشير لمسؤولية الدولة فيما وقع، و هو الذي أكدته تقارير منظمة العفو الدولية و الجمعية المغربية لحقوق الانسان، كما أكدته ملاسنات أعضاء الحزبين الذين أتهما بوقوفهما وراء ما حدث......
و الحالة غير هذه،و بالاستعانة بمداخلة الأستاذ عبدالله الساعف،قد تكون إعادة ذاتنا لحجمها الطبيعي في المنظور الاعلام الاسباني،كمكون غير رئيسي بالشكل الذي يتخيله الأستاذ العربي المساري، و من وراءه حزب الاستقلال و مؤسسات الدولة برمتها،و الوعي بدور هذا الاعلام التقدمي،بداية لتأسيس صورة اعلامية للمغرب،مبنية على الحق الأساسي في الاختلاف ،الاختلاف بين مكونات الحقل الاعلامي من جهة، و الإختلاف مع الرؤية الرسمية من جهة أخرى،قوامها اساسا الاشتغال على الحقيقة، حقيقة الخبر و حقيقة الموقف....
أما ندوة جلد الاعلام الاسباني فلن تزيد اعلامنا سوى بؤسا.......و كثير من الانبطاح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير