الدرس التونسي






سقط زين دين بنعلي.....او بالأحرى غادر البلاد،ترك تونس الخضراء تسترجع ربيعها و يسامينها،لا يهم ما ستسفر عنه الترتيبات السياسية التي سيستقر عليها المواطنون هناك في تونس،لكن الأكيد أن الذين سيتقلدون زمام أمور البلاد سيضعون في حسبانهم أنهم يسوسون شعبا أبيا،و صعب المراس،و قادر على فتح صنبور الدم إن اهين مرة أخرى في خبزه و حريته....
تلك تونس،و قد أقفلت ملف خنوعها،أو بالأحرى فتحت بوتقة حريتها....فماذا عنا نحن الآخرون...عربا بشكل عام و مغاربة بشكل أخص...
لابد من الاشارة أن ما وقع في تونس يندرج ضمن ما هو طبيعي في سيرورة تاريخ الشعوب،نظام يحكم منذ 23 سنة بقبضة من حديد،يقمع حريات التعبير،يطلق اليد للبطانة الفاسدة على كل مناحي الإقتصاد و السياسة،يفرغ الأحزاب من هوياتها،السياسية و المرجعية،و يدعم سلوك الشجع و التهافت على المناصب...نظام كهذا ، و في ظل تطور تكنولوجيا التواصل و المعرفة،و في ظل عولمة حقوق الإنسان لا بد له أن يصطدم بالتطلع الشعبي لمواكبة السيرورة التاريخية للبشرية جمعاء،و هو ما كان خلال أربعة أسابيع من الاحتجاج،دليلنا في ذلك هو تطور ذات الاحتجاج و احتضانه عالميا من خلال وسائط الاتصال التي تجسد هذا التطور الانساني: صور منقولة بهواتف نقالة، و موجات دعم و تضامن في المواقع الاجتماعية بالشبكة العنكبوتية،و أخير وعي الطاغية بهذا الهدير الجارف،الذي لم يمهله الكثير من الوقت و هو يعلن في خطبته المتأخرة ،على فتح الانترنيت في تونس كأول خطوة لتجسيد حرية التعبير....
و نعود لهذا الوطن المسمى مغربا....يدنا على قلبنا توجسا....نبحث على نقاط التقاطع بين نظامنا السياسي و نظام بنعلي المهتز،نطمئن على كون صبيب الانترنيت غير منقطع عن البلد، و لو أن أخبار تداولتها وسائل الاعلام كون فضاءاتنا الاجتماعية محروسة من طرفة أجهزة المخابرات،لا باس باسم محاربة الارهاب، و نأسف لأن الفاعلين الاقتصاديين يشتكون من غياب المنافسة الشريفة في مجال المال و الأعمال،نطمئن لأن هناك شبه حرية تعبير في جرائدنا الغير مقروئة اصلا بسبب العزوف عن القراءة والأمية المتفشية، و نأسف لأن الاعلام السمعي البصري يشبه في غباءه الاعلام التونسي المحروس في عهد بنعلي،نطمئن لأن مسار حقوق الانسان عرف تطورا ملموسا في العشرية الأخيرة، عبر احداث هيئة الانصاف و المصالحة و اقرار جبر الضرر الجماعي و الفردي الحاصل جراء ما سمي بسنوات الرصاص،و نأسف لأن السيرورة السياسية ترمي ،من خلال تبنيها للنموذج التونسي،إضعاف الأحزاب الوطنية و الديمقراطية،و التوجه نحو إقرار نظام الحزب القوي الوحيد، المعتمد على الأغلبية الكمية الغير مندمجة و بدون مرجعية فكرية واضحة.....
إن التفاعلات بين هذه التقاطعات و الاختلافات هي ما يحدد طريق التغيير في هذا البلد، الذي أضحى حتميا بالتأكيد، تبقى فقط ملكة العقل و الحكمة، هي ما يمكن جعله،أي التغير، سلس و ناعم، دون ضرورة اللجوء لصنبور الدم الذي فتح،و لم يغلق بعد، في الشقيقة تونس.
ذلك هو الدرس التونسي، و تلك الدماء هي ما سيجعلنا ننحني امتنانا لشعب الزيتون ، الذي ظلل كل الوطن العربي بشجر شهدائه من أجل الخبز و الكرامة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بؤس الصحافة: سمبريرو العالمي وكاغيد الأحداث المغربية

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الأكراد يرفضون عرض الداعشية العلمانية...

رسالة للصديقة سناء العاجي.....أو حين يزهر شجر اللوز رغم صقيع اللغة

الأميرة و الوحوش......و خرفان الحداثة

المعادلة الصعبة