صدق المنجمون و لو كذبوا.....أو كيف تنظر العرافة لمشروع تعديل الدستور
لا أعرف مراكش كثيرا،فقط ما علق بالذاكرة منذ أيام الصبا،كونها كانت عاصمة للبلد في مراحل مختلفة من تاريخه،و كونها تستمتع بساكنة بشوشة و مرحة في مجملها،تغلب عليهم النكتة و مقالب الكلام،كما كونها تضم معالم تاريخية، لعل أبرزها قبور السعديين و حدائق الماجوريل،قصر البديع و المنارة، و بها بالأخص ساحة جامع الفنا...
و لأنني لا أعرف هذه المدينة، كنت أخشى زيارتها،أو بالأحرى أتفادى زيارتها،حتى بعد أن ربطت بها علاقات عديدة، أصدقاء ودودين و طيبين، ألحوا مرارا كي أزورهم بمدينتهم، و كنت أتقاعس عن ذلك،و أتحين فرصة قدومهم للعاصمة الرباط، مكرهين، كي ألتقي بهم....
هذا لا يعني أنني لم أزر قط مراكش، بل صادف أن قمت بذلك في حياتي، مرات قليلة لكنها كانت ذا أثر جميل في نفسي، و لأنني أجهل المدينة و مساربها، فقد كنت أتوجه رأسا لساحة جامع الفنا....بل في اللحظات القليلة التي وطأت قدمي فيها هذه المدينة، كانت ساحة الفنا هي المكان المقصود...و تماهت بالنسبة لي مدينة مراكش و هذه الساحة...
الساحة مقسمة كالتالي،حلقات فرجة تتوزع بين الغناء و بيع الأدوية و لعب القمار،مقدمات خدمات الحناء و باعة متجولون و فراشة أرض لسلع بسيطة،محطات للأكل المتنوع و الموزع بين مختلف أصناف المأكولات الشعبية ثم أخيرا العرافات اللواتي يقران طالع زوار هذه الساكنة، على اختلاف هوياتهم و انتماءاتهم الاجتماعية و الجغرافية و الدينية و العرقية....
في زيارتي اليوم، استبدت بي فكرة التعرف على إحدى هذه العرافات، مع الوعي التام أنها لن تقدم لي أية خدمة مما تدعيه، و أنه كان الأحرى بها أن تقرأ طالع حالها و تحاول تفادي المآسي التي تجبرها على الجلوس قرفصاء في هذا العراء،تحت قر البرد و حر الشمس....استبدت بي فكرة سؤالها عن قضية عامة، لا عن حالي الشخصي،و استبدت بي فكرة سؤالها عن مآل التعديل الدستوري المزمع إجراءه في بلدنا....
لم يكن المدخل سهلا،مررت عبر عرض حالتي الأولى،ناولتني ورق اللعب، و أمرتني أن أضعها على قلبي، و هو ما فعلت صاغرا،ثم رددت معها لازمتها المشهورة:هذا قلبي،هذا عقلي و هذا تخمامي....لا أخفيكم أنني لم استطع أن أتبين الفرق بين عقلي و تخمامي.... و إن كان القلب يحيل على الجانب العاطفي و العقل يحيل على الجانب الاجتماعي، فإن التخمام خمنت أنه قد يحيل على الاهتمام السياسي...
عرضت علي ما تعتبره صورة شمسية لوضعية الأبواب الثلاتة، القلب و العقل و التخمام،و عرفت أنني مقبل على رزق وفير، و أن العين تتبعني أينما حللت و ارتحلت، ثم أن المرأة التي أحبها ستسعدني في القادم من الأيام.....و غيرها من الأسرار التي لا مجال لنشرها هنا...
ناولتها الفتوح الأول، و طلبت منها إن كان ممكن أن تقرأ لي طالع شخصا اسمه عبداللطيف المنوني،و هو بالمناسبة،لمن لا يعرفه مثل عرافتنا، رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بتعديل الدستور، كما تم تنصيبه من طرف ملك البلاد يوم العاشر من شهر مارس....سالتني إن كنت على علاقة به، فنفيت ذلك.سالت إن كنت مقبلا على معاملة معه، فرددت بالإيجاب،لأنني اعتبرت أن هذا الرجل معني بالتعامل مع كل المغاربة، بما أنه سيشتغل على ما يعنيهم جميعا، و هو دستور بلادهم....
طلبت مني العرافة أن أضع ورق اللعب على ركبتي لا على قلبي كما سلف و أن فعلت سابقا،و هنا أدركت أن السيدة منهجية في اشتغالها،فحالتي تستدعي استنباط القلب الذي قد تتقاطع فيه كل مناحي الحياة، العاطفية و الاجتماعية و السياسية، بينما قراءة طالع رئيس اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور تستدعي استنفار الجهود، و الجهد في وعينا الجمعي مرتبط بالحركة، و الحركة مجسدة في الركبة و القدم،حتى أن المشتغل من عدمه يميز "بوركابي" أو عديم الركبة....
أمرتني كذلك أن أردد عبارات مثل ما رددت سابقا، لكن بصيغة الغائب، اي ها قلبو ها تخمامو ها باش يآتيه ربي،و هنا تأكيد آخر على منهجية و مهنية هذه السيدة، فعلت ذلك صاغرا و مندهشا، و أفردت على مسامعي طالع الرجل المكلف بدستورنا.
الرجل يشتغل في الحديد،و العهدة على العرافة،حين استفسرتها قالت إما أنه يبيع و يشتري الحديد، او أنه يتنقل بواسطة الحديد، و إن كانت الفرضية الثانية، فالرجل يتنقل كثيرا بين المدن و الدول، و هذا مما لا شك فيه، و قد صادقت على معلوماتها بخمسة دراهم زيادة على الفتوح الأول.
الرجل يحبه مسؤوليه، و يكرهه مرؤوسيه، و هو مثلي، و مثل كل زبناء العرافة، متبوع بعين تصيبه حيثما رحل و ارتحل،و هذا بدوره صحيح،فالملك اختاره دون غيره و هذه علامة حب الرئيس، و الذين دونه حتما لن ينظروا بعين الرضا لتعيينه، و قطعا سيكيدون له و يحسدونه....
للرجل أمر "على طابلة ديال المخزن"،و ما في هذا شك، إذ لا توجد ورقة أهم من وثيقة الدستور على طاولة المخزن...
للرجل خلاف مع امرأة ما،هنا "داخ" حماري، فالعرافة لم تحدد إن كانت زوجته أم امرأة أخرى، و بالرجوع لحاسوبي، و عبر الشبكة العنكبوتية، استعرضت صور النساء اللواتي تم تعينهن في ذات اللجنة، أحاول قراءة ملامحهن، و أيهن قد تكون على خلاف مع الرجل...الحقيقة لم استطع التكهن بذلك، و قلت لنفسي ربما ستبدي لنا الأيام حقيقة المرأة التي ستختلف معه....و أتمنى أن يكون خلافا دستوريا فقط...
في حياة الرجل ثلاثة رجال مهمين،حسن و محمد و أحمد....هنا لم "يدخ" حماري فقط، بل جن جنونه، لأن المعلومة في ثلثيها صحيحة، فمحمد هو الملك، و الحسن هو ابو الملك وولي العهد الجديد، بينما الثلث الأخير أي احمد فهو مفتوح على عدة قراءات...
لا ادري إن كان هو أحمد الحرزني،أم أن للرجل ابن اسمه أحمد....لربما ستسعفنا الأيام بمدلول هذا الإسم...
توقفت العرافة عند هذا الحد، و حين سألتها عن الدستور و كيف ستكون ملامحه القادمة، قالت لي "نوض أ ولدي شمن دستور،يعطيونا غير ما ناكلو و يخليونا فالتيقار"
تعليقات
إرسال تعليق