السفارة في العمارة







حين فتحت علبة رسائلي الالكترونية،فوجئت بواحدة منها مرسلة من صديق في موقع اجتماعي،اتضح من بعد أنه المكلف بالإعلام الالكتروني بالسفارة الأمريكية،يدعوني فيها، بمعية اثنا عشر شخص آخر، للمشاركة في لقاء/مائدة مستديرة، حول موضوع صحافة المواطن.
فوجئت للدعوة، لاعتبارات عديدة،كون الكتابة بالنسبة لي كانت حديقتي الخلفية، لا السرية إذ أشرك فيها الكثير من الأصدقاء،أتجول فيها وحدي عاريا إلا من غضبي، و هو ملهمي في كتابات عديدة، و من فرحي و حبوري، اللذان أنتجا بدورهما نصوصا، أعتز كثيرا بمراجعة قراءتها، مرة تلو الأخرى.فوجئت كذلك  لكوني لم أراجع الكم الكبير من النصوص التي اقترفتها،و لا تتبعت طريقة التعامل معها، بين الأصدقاء و الكثير من القراء....
كانت الرسالة فرصة لتأمل هذا الكم من النصوص،التي أعدت قراءة الكثير منها هذه الليلة ،زاد فخري يبعضها، و ازدريت نفسي لنصوص أخرى،و استحضرت تعليقات الأصدقاء، و غضب آخرين،لكنني انتهيت مفتخرا بالكل المنتوج،أقل ما قدمه لي دعوة من سفارة الدولة العظمى،بلد الحريات،و الشيطان الأكبر،و رمز الامبريالية،و عدوة الشعوب،المساعدة على تحررهم و المدافعة عن قيم الديمقراطية و التسامح ....بلد المتناقضات الجميلة منها و القبيحة....
لا اشتغل بالكتابة إلا حرقة،مهنتي رخايمي كما لا أتوانى في ترديد ذلك،و لا علاقة لي بالصحافة غير إدمان قراءتها، رغم هذا التطور الكبير في الرداءة الذي تسجله يوما بعد يوم و جريدة بعد أخرى،مما جعل فكرة الدعوة للمشاركة في مائدة حول صحافة المواطن ملتبسة.....
استعنت كعادتي بالوفي غوغل، و هو للتذكير محرك بحث و  منتوج أمريكي،للبحث عن مفهوم صحافة المواطن،لأكتشف أن الجرائم التي كنت أقترفها ، سواء في الموقع الاجتماعي الفايس بوك، أو في مدونة زنوبة المشاغبة، تدخل في صميم هذه الصحافة المواطن....مما سيجعلني مستقبلا، رخايمي و صحافي مواطن....
كان من الضروري الاستعداد للقاء من هذا الحجم، لاعتبار أنه الأول  في حياتي "الصحفية المواطنة"،بإعادة الرسالة لصديقنا المشرف على الإعلام الالكتروني، أؤكد له فيها حضوري،دون إغفال ترتيبات الاستحمام، و قص الشعر و تهذيب الشوارب، و انتهاء بغسل السيارة، كما طبعت وثائق عديدة حول مفهوم مهنتي الجديدة، صحافة المواطن،و مسحت رسائل عاطفية من هاتفي النقال و من حاسوبي المحمول،باعتبار قدرة الأمريكيين سبر خبايا نفوس البشر فما بالك بأجهزة هم من صنعوها....
توجهت صباح اليوم إلى وسط العاصمة،قبل الموعد المحدد بزمن غير يسير،تفاديا لأي اضطراب قد يقع يعيق وصولي لمكان المائدة المستديرة،أعدت مراجعة ما قرأت بالأمس،و أعدت تمسيد شاربي و التحقق من اصطفاف شعري،احتسيت الكثير من القهوة و كثيرا من المياه المعدنية.....
كانت مكالمة الصديق الذي وجه لي الدعوة مطمئنة،دلني على المدخل المسموح لي الولوج منه،و الذي هو عبارة عن ملتويات تفضي بك لباب حديدي مزدوج،مدخل الدولة الأمريكية،باعتبار أن السفارات هي أراضي أمريكية خالصة، و لو أنها متربعة على شاطئ واد أبي رقراق،بعد الباب هناك آليات و إجراءات التفتيش،تفتيش حقيبة الحاسوب، تفتيش الجيوب ،و تفتيش الأجساد،غير مسموح باصطحاب كل ذلك لداخل السفارة.....إجراءات أتفهمها،لطبيعة ما تعرفه المصالح الأمريكية من استهداف....
توالى الحضور،الذي كان قليلا، و مع ذلك تم احترام برنامج اللقاء،الحادية عشر بالضبط،لقاء مباشر بتقنية الفيديو مع صحفي بقناة الجزيرة دام ساعة من الزمن، و نقاش حول الإعلام و دوره في المجتمع،و حول صحافة المواطن و مدى تأثيرها في مجريات الأحداث، كما عرفتها مصر و تونس و ليبيا و اليمن والمغرب.....لا شيء يشي بأن للقاء أهداف أخرى، أو ربما أهداف محددة، غير الإنصات لهذا الحضور...
في مقارنة بليدة لا أستسيغها كثيرا لكنها تفرض نفسها علي،هل تقوم سفاراتنا في الخارج، بعد انتهاء حفلات التبضع، و نزاع زوجات السفراء و قضاء مصالح العائلات، بدعوة شباب البلد المضيف، للاستماع إليه،في قضاياه أساسا، و استثناءا في قضايا المغرب،إن كان سفرائنا يعون أن للوطن قضايا؟؟
انتهى اللقاء بسؤال عريض:لماذا تم استدعائي لهذا اللقاء؟من زاوية الاستفادة،و كرخايمي يهمه معنى الربح و الخسارة،فقد ربحت علاقات جديدة و جميلة، شباب يحب بلده،بطريقته المستحسنة أو المستهجنة، لكنه حب صادق،مغاربة مكلفون بتسيير السفارة الأمريكية بالمغرب،ضمنهم الصديق الذي وجه لي الدعوة،و أمريكيون يبهرونك في قدرتهم على تحمل سوء الضن بهم،ربحت ملف مهم حول الصحافة و وسائط الاتصال،بالإضافة لقنينة ماء معدني و حلوى مغربية،كعب الغزال، زادت من نسبة السكر في دمي....ماذا ربح الأمريكان من تواجدنا ضيوفا عليهم؟ هنا شق المسار على حماري، الأكيد أنهم رصدوا الكثير من المعلومات و دبجوا تقارير حولها،ستكون موضوع ويكليكس قادم......فقط هذا ما وقع، و إن زاد التسريب المقبل أشياء لم تحصل، فهو كذب و بهتان.....





تعليقات

  1. أهم شيء أن هاتفك وحاسوبك خالي من الرسائل العاطفية
    سعدت كثيرا بالتعرف على مدونة زنوبة المشاغبة
    سلاموو

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير