رسالة للصديقة سناء العاجي.....أو حين يزهر شجر اللوز رغم صقيع اللغة


قرأت بكثير من اللذة ،مقالك الأخير المنشور في أسبوعية الحياة، و في موقع كود الرقمي،لذة اللغة التي أحسها في كل نصوصك، منذ الباتول المشاكسة لحين المشاكسات على أسبوعية الحياة....لذة اللغة هذه توارت خلف مرارة الموقف،النابع بالتأكيد عن حسن نية مفرط،و ربما طيبوبة زائدة عن الحد المتعارف عليه إنسانيا،و نابع للأسف ربما ، من تغاضي،لكي لا أقول جهل،عن ميكانيزمات الصراع المجتمعي،الذي تنتج طاحونته أنماط حياة اجتماعية،حسب موازن القوى من جهة، و ما أفرزته هذه الموازين من نصوص قانونية تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع من جهة أخرى....
استوقفتني كثيرا أمنيتك الصادقة، في أن لا يكون الذين ينادون بالتظاهر بعد الخطاب الملكي، مقتنعين بما ينادون إليه،دون ذلك قد تصابين بالإحباط.....الوقوف هذا، كان للحسم بين الكتابة إليك من جهة، و احتمال إصابتك بالإحباط من جهة أخرى،حسمت الأمر للأسف للخيار الثاني، و قررت أن أعلن، ربما نيابة عن الكثيرين ممن حققوا الكثير لهذا البلد، أنه بالفعل نؤمن بأنه لا سبيل للوصول لمنتهى التغيير في هذا البلد، غير النزول و بكثافة للشارع، من أجل المطالبة بإصلاحات سياسية و اجتماعية جوهرية....أتألم لإحباطك....لكنني كلي أمل في قدرتك على تجاوز الأمر سريعا.
استوقفني كذلك أسفك المدبج في السطرين الأولين،للقمع الذي تعرض له المحتجون يوم الثالث عشر من مارس بالقرب من مقر الاشتراكي الموحد،و تقريعك للذين تظاهروا على امتداد النص برمته،و كأن قوات الأمن كان عليها أن تفعل ما فعلت، لأن هؤلاء احتجوا....
حين غادر الرئيس زين العابدين بنعلي تونس، هاربا منها إلى العربية السعودية،لم يدخل التونسيون لمنازلهم،رغم أن السقف العالي لمطالبهم آنذاك، كان هو رحيل الرئيس،لكنهم ضغطوا لمدة يومين كي يصحح الغنوشي الوضع اللادستوري، و يتم تعيين المبزع رئيسا لتونس، و الذي عين بدوره الغنوشي رئيسا للوزراء، و مع ذلك لم يدخل التونسيون لمنازلهم، فقد واصلوا الاحتجاج، إلى حين أن استقال الغنوشي و تم تعيين السبسي رئيسا للوزراء....و لا زال التونسيون يقضين، سلاحهم قوتهم في الشارع،و حبهم الكبير للوطن......و مع ذلك لا وجه للمقارنة.
حين غادر الرئيس مبارك القاهرة، باتجاه شرم الشيخ،و تم تعين المجلس الأعلى للقوات المسلحة كمسير انتقالي للبلاد، لم يدخل المصريين لمنازلهم، رغم أنهم كذلك اختزلوا كل مطالبهم في رحيل مبارك،و تم تعيين حكومة تصريف أعمال بوجوه قديمة، و ضغط الشارع إلى حين أن صحح الأمور،و تم إقرار تعديلات دستورية، و تحديد محطات سياسية معينة تستعيد فيها البلاد نظامها بنفسها الثوري.....سلاح المصرين ساحة التحرير و حبهم لهذه البلاد التي أطلقوا عليها اسم أم الدنيا....و مع ذلك لا وجود للمقارنة بين المغرب و مصر...
ليست لدي إحصائيات مضبوطة، لكنني أعتبر أن الذين ينادون برحيل ملك البلاد هم أصوات قليلة و نشاز في غمرة هذا الربيع الثوري، لكن بالمقابل الذين يطالبون بملكية برلمانية ، يسود فيها الملك و لا يحكم، هم أغلبية المنضمون لحركة العشرين من فبراير، و الذين احتجوا و قمعوا في الثالث عشر من مارس، و الذين خرجوا بكل شموخ و عنفوان في العشرين منه....
خرجوا لأن خطاب التاسع من مارس لم يحقق مطلبهم،إذ لا يجب ابتلاع طعم أن الملك سبق سقف المطالب المعبر عنها،و دون الخوض في تفاصيل ذات الخطاب، أنبهك ، صديقتي،أن أخطر فقرة في الخطاب، و التي تستلزم اليقظة و الحذر، و الخروج للشارع و الاعتصام به، هي تلك المندسة بين مقطع الجهوية، و المرتكزات السبع للإصلاح المزعوم،و التي انطلق فيها الملك من موقعه الدستوري الحالي  المحكم بالفصل التاسع عشر، دون أن يشير إليه في الإصلاحات و دون أن يشير لدوره في الدستور الجديد....
خرجوا، لأن كل الديمقراطيات المتعارف عليها عالميا،و كي نخضع للمنطق العام، و ننبذ مفهوم الخصوصية المغربية،تنتج دساتيرها عبر آليات منتخبة من القوى الحية في البلاد، لنسمها جمعية تأسيسية أو هيأة منتخبة أو آلية  أو ما أرادوا، بينما الذي وقع في العاشر من مارس، أن تم تعيين أعضاء للجنة استشارية،و لاحظي أنها استشارية و ليست تقريرية،تعرض منتوجها على الملك بمفرده ليبث فيه، كصاحب قرار أول، ثم يعرض بعد ذلك على الاستفتاء.....و في خضم طغيان الأمية و التحكم في وسائل الإعلام و الاتصال،تأكدي صديقتي، انه لن يكون دستورا إلا ما قرره الملك..
خرجوا، و سيخرجون لأنه عدا الدستور، هناك مطالب أخرى لا تستلزم عصا سحرية في خمسة أيام، كما أوردت في مقالك،بل فقط قرارا سياسيا جريئا،و حتى دون تكلفة مادية تذكر...طلبوا برحيل أشخاص بعينهم.....لم يرحلوا بعد....
لا يمنح كل هذا على طبق من ذهب،بل قد يكون موزعا على نعوش الشهداء،تلك سنة التاريخ في صنيعه المسمى صراعا اجتماعيا...كان يدار بالمطرقة و المنجل و بكثير من الأجساد فيما مضى، أصبح الآن أجسادا عزلا، و ساحات تحرير و مدار لؤلؤة و باحة بريد، و حناجر و فايسبوك و كثير من الأمل....
لكل هذا سأخرج كلما دعاني صبية الجمال و الفتنة المزهرة ،التي أورقت أغصانها في العشرين من فيراير و أزهرت في العشرين من مارس،و ستخرج ثمارها في القادم من الأيام....و ستستمتعين بها أنت أيضا....رغم تقريعك الذي لم يصبني بالإحباط

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير