رسالة مفتوحة للآمنتو حيدر

السيدة آمينتو حيدر،آثرت مراسلتك بشكل مفتوح لاعتبارين أساسيين،الأول كونك مناضلة معروفة،وجه عمومي كما يقال،تختزلين في شخصك تجربة غنية و تيارا يجب أن يحترم مهما اختلفنا معه،و هو الداعي للانفصال عن الوطن الكبير،المغرب،أقول الوطن الكبير و ليس الوطن الأم،كي لا يعيق نقاشنا متاهات المفاهيم.الاعتبار الثاني هو اعتبار كوني الأقرب إليك،لأنني دافعت عن حقك في العودة لأرضك و وطنك،حين تم طردك باتجاه جزر الكناري،حين رفضت الاعتراف بجنسيتك كمغربية،لحظة استبدت الشوفينية على العقلانية الحقوقية،و تنبأت بانتصارك،لا على إخوانك المغاربة كما يحلو للبعض أن يفهم،و لكن لأنك متسلحة بالحق،الحق في الوطن و في الأرض،ضد الاقتلاع و ضد الإبادة.
أكتب لك لأن ما حدث في مدينة العيون يسائلنا جميعا،يسائلك و يسائلني،بحجم الدمار الذي خلفته المناوشات بين المواطنين الصحراويين و القوات العمومية،بحجم الأرواح التي سقطت في صفوف القوات العمومية المغربية،و تلك التي سقطت في صفوف المواطنين الصحراويين،و لاحظي سيدتي،أنني لا أتبنى العدد الذي صرحت به الجهات الرسمية،لأنه في قراءة للصور،الثابة و المتحركة،لا يمكن أن يكون العدد شهيدا واحدا من المدنيين،كما أنني لا أتبنى فكرة الاحتجاج الاجتماعي الذي رفع كذريعة للتساهل مع المخيم الذي بناه رفاقك،الشباب الداعي للانفصال عن الوطن الكبير لا الوطن الأم.
ما الذي يطالب به رفاقك هؤلاء؟الانفصال عن الوطن الكبير،فيما يسمى استقلالا؟ و خلق دولة أم خيمة؟ جمهورية عربية إضافية لهذا التمزق العربي الممتد كجثة نتئة من المحيط إلى الخليج؟هل ستكون واحة الديمقراطية في هذه الصحراء الكئيبة؟أم سيكون لها حلاجها و حجاجها مثلها مثل كل هاته السجون التي اكتظت  بها جغرافية الوطن العربي؟
أليس من العبث أن نجتزئ الأرض من الوطن الكبير،كي نعلن كيانا جديدا،ضد حركة التاريخ التي لم تفرز أمما قوية،و بلدانا متقدمة سوى بالتوحد و الانصهار؟ أليس من البلادة أن نرتهن لقوى صفقت لوحدة الألمانيتين،و تدعو لانصهار الكوريتين،و تعمل على توسيع الاتحاد الأوربي باتجاه الشرق و الشمال،و في نفس الوقت تسعى لتقسيم السودان و هو ما نجحت فيه،و تعرقل بناء المغرب العربي الكبير و هو ما حققت بعضا من مراميها بدعمك و دعم رفاقك؟
و نعود بصدق للذي نسعى له كمواطنين،كشعب لا يهدف سوى العيش برفاه و أمن و سلام،و أصدق رفاقك و أنت القول،نحن نعيش جوا سياسيا خانقا،و تفاوتا طبقيا مريعا،ليست خيرات الصحراء وحدها ما لا يوزع بالعدل على أبناءها،بل كل خيرات الوطن الكبير،من شرقه على تخوم الجزائر الشقيقة،لغربه في الأطلسي،و من شماله على مشارف اسبانيا لجنوبه في الصحراء الجميلة أرضا و سكانا،تنهب من طرف أقلية تتحكم في الزرع و الضرع،بينما الكثير من أبناء هذا الوطن يعانون الحاجة و الإملاق،فهل تعتقدين سيدتي ،أن الحل هو نصب الريات بألوان مختلفة في هذه البقاع المتوحدة بالجغرافيا و الكثير من التاريخ؟
لا اعتقد في ذات الحل،لكنني بالمقابل سأكون أكثر انبهارا إن وجدت يديك و أيادي رفاقك،و هي تشد يدي و يد الفقراء من هذا البلد،من اجل بناء الوطن الديمقراطي الحر،حيث الخيرات توزع بالعدل،و حيث الأمور تساس بمؤسسات منتخبة بشكل ديمقراطي و نزيه،حيث ذات المؤسسات تعمل وفق قواعد الأنظمة المتقدمة،حيث الدستور سيد الشرائع،حيث القضاء سيد السلط،حيث التمازج بين مختلف القبائل المغربية،الصحراوية منها و الغير صحراوية ،يخلق لنا ذلك العطاء و ذلك الغنى الذي نأمل من كل تلاقح ايجابي بين الثقافات.
دون ذلك سيدتي ،قد تتوفقين في بناء الدويلة،بعنوان جمهوري ديمقراطي اشتراكي عربي،يرأسها جنرال حرب كما كل الدول التي تشبهها،يتناوب على سدتها كل عسكري استطاع الاستيقاظ باكرا،و ستضل خيرات الصحراء بعيدة عن أهلها،في أيدي قلة أكثر سفالة من الذين تحتجين ضدهم الآن ،و سيعدو الوطن الكبير  كبيرا كيفما كان الحال،متألما ربما لكنه حفر في صخر التاريخ مساره،نحو مؤسسات أفضل و خبز ابيض.

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير