ويكيلكس و الحق في المعلومة.

العبث هو أن يضل الحق في الوصول للمعلومة مطلبا يستلزم النضال من أجله، في عالم القرن الواحد و العشرين، و الثورة الرقمية الجارفة و الفضاء المفتوح و الفاضح لكل المتداول بين الشعوب و داخل كواليس هذه الشعوب....صمتت لجنة الحوار حول الإعلام الذي انطلقت بالكثير من الشد و الجدب،و لم تصدر كتابها الأبيض و لا قانون صحافة يؤسس للجديد من العلاقات بين رجال الإعلام و رجال الإعدام،و ضلت دار لقمان على حالها،يُستنفر رجال الصحافة كقطيع رجال المطافئ حين يحشر جسد الحكومة في مسراب ضيق و لا تستطيع الخروج منه.....و تستمر المهزلة....مهزلة الإعلام.
ما كشف عنه موقع ويكليكس ليست حزمة المعلومات، في بعضها تافه و سمج، التي سربها ، و لكن مفهوم المجال العمومي و المجال الخاص للمعلومة، و أيهما أحق للمواطن بالوصول إليها و في أي شروط؟
في كل البلدان، و الديمقراطية منها بالخصوص،و نعني بالديمقراطية تلك التي أرست عبر تاريخ طويل مفاهيم الحكامة الجيدة و الإشراك الفعلي للمواطن عبر مؤسساته في تسيير الشأن العام بالبلد،نجد مجالين لتداول المعلومة،مجال خاص بالدولة و أسرار تسييرها، بما تقتضيه من من تكتم و مراوغة و إخفاء،تتطلبها الإكراهات الأمنية الداخلية و الخارجية، و مجال المعلومة العامة ، التي من المفروض أن تكون في متناول المواطن،إخبارا و تحليلا و استعمالا.
تقاس الديمقراطية في بعض أوجهها، باتساع المجال الثاني، أي مجال المعلومة المشاعة بين المواطنين، على حساب المجال الأول،أي المعلومة الخاصة بالدولة و إكراهات تسييرها،فكلما تمدد المجال الأول، ليشمل ربما سلوكات و نزوات و بعض قرارات الحكامة الخاصة برجل الدولة، كلما تقلص مؤشر الديمقراطية و حرية التعبير، و العكس صحيح، أي كلما تمدد مجال المعلومة المتداولة، و شمل رقابة على سلوكات و مواقف الشخصية العمومية ، كلما كان مؤشر الديمقراطية،قياسا، في تنامي...
يسهل تطبيق هذا التصور على مجالات المعلومة في الوطن العربي، و نلاحظ كيف يمنع تداول حياة الرؤساء  و القادة مثلا في وسائل الإعلام السمعية البصرية و المكتوبة، لنفهم تراجع مؤشر الديمقراطية و حرية التعبير في هذه الدول، و بعكس ذلك يمكن أن نلاحظ كيف يتمطط مجال المعلومة المتوفرة للمواطن و لوسائل الإعلام، على حساب ما يسمى أسرارا للدولة في الأنظمة الديمقراطية، لنؤشر كذلك على علو قياس حرية التعبير و الممارسة الديمقراطية في هذه البلدان.
واقعة ويكليكس، على اعتبار أنها بالصدق التي يروى عنها، و أنها ليست ملهاة جديدة مثلها مثل أنفلونزا الخنازير و الكلاب و القردة، كشفت محدودية الحصانة التي يتمتع بها مجال المعلومة المؤسساتية الممنوعة على المواطن،و أن التطور الرقمي التكنولوجي يسير بخطى حثيثة نحو مشاعية معلوماتية  تهدد الدعائم التي يقوم عليها مفهوم الأمن القطري أو القومي.
تبرهن واقعة ويكليكس مدى نجاعة التوفر على ترسانة قانونية ديمقراطية لتنظيم مجال المعلومة، فبينما لا يستطيع بلدا مثل المغرب،سوى متابعة ناشري ما يرد في ويكليكس من اتهامات تخص الشخصيات العمومية و الدوائر العليا،بتهم السب و القذف  و عدم إبداء الاحترام الواجب...الخ، فإن دولا ديمقراطية مثل أمريكا استعانت بقانونها الوطني حول المعلومة، و هددت بمتابعة مستعملي معلومات ويكيلكس باستعمال أرشيف لا زال موضوع سرية هذه الأخيرة التي لا ترفع عنه سوى بموجب قانون و ليس بفعل قرصنة و اختلاس.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بؤس الصحافة: سمبريرو العالمي وكاغيد الأحداث المغربية

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الأكراد يرفضون عرض الداعشية العلمانية...

رسالة للصديقة سناء العاجي.....أو حين يزهر شجر اللوز رغم صقيع اللغة

الأميرة و الوحوش......و خرفان الحداثة

المعادلة الصعبة