مواطن يعتقد اشياء أخرى


قررت أن اعرض على الجميع ما أفكر به،و ما اعتقده كمواطن.لأنني جربت المواربة سنين عديدة، و جربت بصحبتها شيء من التملق و غير قليل من المحاباة،جربت، و هذا ما اعتقده كان الأهم،الخوف....الخوف من السجن و الاعتقال في ضل سيادة دولة لا يؤمن القائمين على إدارة دفتها  بالحق في الاختلاف، و قبل السجن انتابني الخوف مما يحكى حول مراحل الاعتقال و الاستنطاق و التحقيق، من أشكال المهانة و التعذيب النفسي و الجسدي.الخوف كذلك من تخلخل الوضع الاجتماعي،أو الاندحار من مستوى شبه ميسور لما هو أدنى منه،و ذلك بفعل ما تقدم عليه الدولة من حياكة المكائد و الفخاخ للذين لا ينسجمون و غناءها الذي لا يطرب.
ذقت مرارة السجن،و قبلها قليل من التعذيب و التنكيل،صعقات كهربائية في الأذن و في مناطق حساسة من الجسم، و السبب جريمة حق عام،تهمة اختلاس في مؤسسة عمومية كنت أشرف على إدارتها....هل كانت مكيدة الدولة؟ أبدا...كان تورط فعلي في خطأ تدبيري أضاع على المؤسسة مبالغ مالية مهمة،لربما كما يقول فقهاء القانون لم يكن هناك قصد جنائي،و لكنه كان خطأ بعواقب جنائية، و كان من الضروري أن يكون هناك مسائلة و محاسبة ، يليها جزاء و عقاب....انتهت القصة بصدور حكم بثلاثة سنوات سجنا،قضيت منها سنتين و أفرج عني لحسن سلوكي بالمؤسسة السجنية، و لانخراطي في مشروع تأسيسي لمحاربة الأمية بداخل السجن،و حصولي على شهادة دراسية إضافية خلال مرحلة اعتقالي.
حرصت في البداية على هذا التوضيح لأسباب منهجية أساسا،لعل أولها أن سبب المحاباة و القليل من التملق الذي ذكرته أعلاه، سببه هذا الماضي المؤلم،إذ كنت في كل مرة أحاول فيها إبداء رأيي فيما يدور من أحداث، و ربما ممارسة القليل من النقد و الانتقاد، كنت أواجه بفزاعة هذا الماضي،حتى حين تطلب الأمر الانخراط في مشروع حركة شبه سياسية و مدنية،كنت أبعد بنفسي عن التباري حول مناصبها القيادية بسبب هذه التجربة المؤلمة،كان المتنافسون و المهرولون ،و بعض من القيادات التي تنقط الأسماء في حواسيب الإدارة العامة للأمن الوطني قبل  أن تصافحك،يشهرون هذه الورقة، ربما لم يحدث أن تم ذلك في حضوري، لكن تم على الأقل في مناسبات عديدة، و وصلتني أصداءه ....كانت الجملة مزعجة،كيف يمكن "للص المال العام" أن يتكلم عن الحكامة و  العدالة و الديمقراطية و العقلانية و هلم جرا من المقابلات المضادة ....كانت الجملة مزعجة...أصبحت الآن مائعة و أكثر إزعاجا....
حرصي في البداية على هذا التوضيح، كي لا تقرا السلسلة بخلفية ملائكية،و كي لا اترك  لمعاول الهدم المنتشرة حولنا ما يكسرونه،أملي في أن يكون النقاش حول مضامين ما أكتبه ، لا حول شخصي.....
سلسلة "مواطن يفكر بشكل آخر"،هي مجموعة من القراءات في لهذا الذي يجري بهذا البلد، بصراحة و بدون تملق و بدون محاباة،خاصة و أن الوطن الذي نختلف في خياناتنا له، أكثر من إجماعنا على الوفاء له،يمر بمرحلة عصيبة،يتوارى فيه المناضلون للخلف بدون معنى، يتفق فيه السياسيون على معجم وحيد شوفيني منغلق و صادم،يربى فيه حس عدمي و غير عقلاني و يختفي فيه المثقف المنوطة به ادوار التنوير و التثقيف  الجماهيري من جهة، و التوجيهي ألانتقادي للسلطة، في تفاعل معها و في استقلال عنها....
الكثير من أصدقاء المدونة سينزعجون من هذا التوصيف ، لكنني أرفع مسؤوليتي لأنني حذرت الجميع منذ البداية، و صرحت للذين أحبهم أنني لست بالطهر الذي يعتقدونه.أتفهم مواقفهم الرافضة  للكثير مما يلوث شخصي،و اعذر انسحابهم من مدونتي، و من لائحة الأصدقاء في المواقع الاجتماعية الافتراضية و الواقعية....و بالمقابل أشد على كل من توجس في هذا البوح المتفجر بداية سرداب طويل من التطهر و من الحب....لغير هؤلاء أردد ما صرخ به المسيح عليه السلام:من كان منكم بلا خطيئة فليرجمني.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير