غـــــــــــــــــــــــــلاب الــــــــــــــبـــــــــــــــــــكــــــــــــــــــــــاي

كنت صغيرا،كما كل الأطفال، أقطن رفقة عائلتي بمنزل في زنقة تحمل من الأسماء وليلي بمدينة الخميسات، و كنت و أنا أتوجه للمدرسة أقطع زنقة موازية لزنقة وليلي ، تحمل من الأسماء مبارك البكاي....
لم أكن أعرف مبارك البكاي هذا،لكنني كنت أتخيل رجلا بقامة ضخمة، أسود البشرة، يشبه مبارك الذي يشتغل ببلدية المدينة، و المكلف بحراسة الحديقة المتواجدة بقلبها،و التي أطلق عليها السكان إسم "راديو وامان"،أي مذياع الماء، لأن المسؤولين في ذلك الوقت، تفتقت عبقريتهم على إنشاء نافورة ماء، تصدح ببرامج الاذاعة الوطنية عبر مذياع و مكبرات صوت مدفونة في قاعها....لم تعمر النافورة طويلا.
لم أكن أتخيل مبارك يبكي، خاصة و أنني أشبهه لمبارك الذي أعرفه....لكم مع توالي الأيام، علمت أن مبارك البكاي هذا، كان وزيرا في إحدى الحكومات الأولى التي عرفها المغرب في بداية سنوات استقلاله ،و لأن وعيي الأول بدأ يتعرف على معنى المخزن الذي يشتغل تحت إمرته والدي، و الذي ينقل المارة في الشوارع على متن سيارات الأمن الوطني بدون سبب، و الذي يرغمنا نحن الصغار على الاصطفاف على قارعة الطريق الوطنية الرابطة بين فاس و الرباط، في جزئها المتواجد بالخميسات، كلما مر الملك الحسن الثاني منها،لكل هذا خمنت أن مبارك الوزير كان يبكي كلما قابل المخزن و تحديدا الملك،فسمي بمبارك البكاي.....لم أول اهتماما كبيرا لماهية اسم الباكي حين اشتد عودي و أدركت أن البكاء لا يجدي في مواجهة هذا الذي نحن غارقون فيه.
أسترجع كل هذا و أنا أتابع بكاء الوزراء في حكومتنا الحالية.....
كان الأولى بهم أن يعاصروا السيد مبارك البكاي...ليشكلوا حكومة "بكاية"....
بكى السيد الناصري وزير العدل،و قيل أن بكائه كان بسبب احباطه من تعثر مسلسل إصلاح القضاء،و أعتقد أن بكاءه فيه الكثير من الشعور "بالحكرة"....و هو يواجه مختلف المتدخلين في قطاعه، البعيدين عنه و عن فلسفته، لكنهم نافذون في توجهاته و اختياراته.....ليطرح السؤال كيف لوزير مسلح بالثقة الملكية المطلقة، و بشبه إجماع حول شخصيته النضالية و المهنية، ان يعجز على ترجمة القليل مما وعد به، أو ما سطره ملك البلاد في خطبه؟؟؟ من هي الجهة أو الجهات التي تتمتع بكل هذه القوة و كل هذا النفوذ لدرجة تعرقل فيها مشروع الإصلاح هذا....؟؟
بكى وزير العدل في قبة البرلمان....كانت لحظة استثنائية و قلنا أنها لحظة منفلتة من عالم سياستنا الغريب....
لكن الجرائد أبت إلا أن تزف لنا خبر بكاء وزاري جديد...و في قبة البرلمان أيضا...
فقد أجهش وزير التجهيز و النقل، السيد عبدالكريم غلاب، ببكاء حار إثر اسقاط الميزانية الفرعية لوزارته من طرف مستشاري البام، في صبيحة يوم الثلاتاء على الساعة الثالتة صباحا،و هو بكاء يستدعي الكثير من التأمل، في أسبابه أولا ، في تجليه خاصة و في تداعياته أخيرا...
بكى الوزير، لأنه وجد نفسه في مواجهة أغلبية من المعارضة، مستشاري حزب البام الذين استفردوا به كمن تستفرد أسود بحمل وديع في غابة....الوزير الوسيم،ذي الشعر الرطب المنسدل كعارض أزياء، و ذي ملامح مخملية كأميرة من عصور النهضة الأوروبية الأولى،في مواجهة ذئاب المعارضة الذين لم يفوتوا فرصة الانقضاض عليه....فبكى.
بكى الوزير أيضا،لأن الذين يشكلون أغلبيته، و أغلبية الحكومة التي ينتمي إليها، فضلوا تلبية دعوة عضوة المجلس، زميلتهم،العائدة للتو من الديار المقدسة، الحاجة الزومي،للحفل الذي أقامته على شرف اللقب الجديد،و تركوه وحيدا...
بكى الوزير ، و للإنصاف،يعتبر من الوزراء الشباب القلائل، الذين أبانوا عن قتالية كبيرة في تدبير وزارته،ليس دون أخطاء أكيد، لكنه طبع مرحلته بشخصيته،و يتضح جليا من طريقة اشتغاله مدى ايمانه بسياسة الفعل المنتج بدل سياسة الفعل المحصل،ضمن أغلبية من حزب يحمل انتمائه بشكل شاد، و وسط أغلبية حكومية تمرنت على تحقيق مراميها بالولاءات لدوائر خارج أحزابها..
بكى الوزير....و ماذا بعد؟
هل كان من الضروري التصويت ضد الميزانية، و خاصة أن تصريح رئيس الفريق بمجلس المستشارين، السيد حكيم بنشماس، يفيد أن التصويت هو عقاب للوزير لعدم تنفيذه للكثير من وعوده التي قطعها على نفسه مقابل تيسير تمرير مدونة السير.....بما يعني أن التصويت لم يكن ضد اختلالات في بناء الميزانية، و لا في عدم استجابتها لتطلعات القطاع الذي هي ممنوحة له.....
بكى الوزير، لأن الأقدار استجابت لدعوات "الشيافر" عبر التراب الوطني،الذين لا زالوا يرفضون تنزيل المدونة بالشكل الذي أنزلت به....
نجانا الله و اياكم من دعوات السائقين....


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير