ما لنا و مشارف؟
بثت القناة الأولى ، في يوم الحادي عشر من شهر ماي ، فيلما سينمائيا هنديا مطولا، بدل برنامج مشارف الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان.....
لن نتحدث عن مشارف،البرنامج الذي يشكل نشازا في شبكة القناة الأولى،و عن تطرقه لمواضيع لا يلتفت لها المشاهد المغربي لا من بعيد و لا من قريب،فذلك ليس موضوع ورقتنا هذه....
سنتحدث عن السينما الهندية، و عن فيلم الأربعاء الذي خلصنا من ألأرق الذي يسببه برنامج مشارف، انتظارا لحلوله في منتصف الليل، إن لم يكن عند غبش الصبح، مرورا بالقلاقل و الفتن الفكرية التي يتناولها،ناهيك عن هذا الانتباه الذي يزرعه في الغافلين منا،الانتباه لكوة الضوء في المقروء من الفكر و الأدب و البحث الاجتماعي،و هو ما لا حاجة لنا به في مجتمعنا المسالم و الوديع هذا....
الفيلم الهندي، يحكي عن الشرير الذي يرأس العصابة،يقود سيارة الجيب الرمادية المكشوفة،و يعب بشراهة قنينة الويسكي،المخرج الهندي الملتزم بأخلاقيات المهنة،يلزم الممثل الذي يتقمص دور الشرير، بتناول الزجاجة بشكل لا يُظِهر علامتها....
أجد نفسي مضطرا لعقد مقارنات، و نلاحظ كيف يعري ياسين عدنان في برنامجه عن كل الماركات،المهدئة منها و المقلقة،و هو ما لا يصلح في شبكة برامج قناتنا الحريصة على ذوقنا....
في طريق معبد كسجاد حريري، تمخر سيارة الجيب، التي يقودها الشرير،عباب المسافة،لحظة يتوقف، على اثر فرملة قوية و مدوية،تبدأ موسيقى غريبة و بدون إحساس،و على قارعة الطريق تجلس هيمامالي،الفتاة الهندية الجميلة،بشفتين حمراوتين مكتنزتين،و وشم بحجم قرص صغير على جبهتها،تنظر للشرير خوفا و توجسا....
يكلمها جمل عديدة، تعني انه يريد أن يصطحبها بالقوة معها، و هي ترفض ، و العهدة على الدبلجة....الشريط ردئ، مما يفسد حبكة المتابعة، الفتاة و هي تبكي منزوية في ركن خراب مهجور....
القناة الأولى تدرك جيدا أننا نبهاء، و تدرك بالمقابل أننا لسنا hard في متطلباتنا السيميائية، لذا نحن نفهم، أن الشرير مزق فستان هيمامالي،و نزع تبانها بالقوة، و أفرد ساقيها كل باتجاه، و اغتصبها،نحن نفهم ذلك، و نتلذذ بهذا الفهم، و في ذات الوقت نتعاطف مع هيمامالي،و نمتن للقناة الأولى التي وهبتنا هذه اللحظة الممتعة ،حيت خليط من المتعة و الشبق لا يتحقق حتما في برنامج مشارف،و هو يطرح بجفاء همومنا الثقافية....
يترك الشرير هيمامالي مرمية هناك،تزحف من الكوخ المهجور، لبسيطة خضراء من العشب،في الحقيقة السينما الهندية وحدها من يتوحد فيها العشب الأخضر بالأكواخ المهجورة، تعطينا درسا بليغا في تهيئة المجالات البيئية،بدل أكواخنا نحن التي تنفتح على مجاري الصرف الصحي ، بمياهها العادمة السوداء و رائحتها التي تزكم الأنوف،و تعطي درسا لمعد برنامج مشارف، عن كيفية تهذيب الذوق في مواجهة القارئ و المتتبع، بدل شحنه بهموم الأسئلة المفتوحة على يقظة الوعي....
على نفس قارعة الطريق، لكن هذه المرة على متن سيارة جيب غير مكشوفة، تسير بسرعة معقولة، و يقودها شاب وسيم، بشارب مشذب بعناية، و شعر رطب مسترسل قليلا على الجبين....إنه الشرطي ،الذي يغني أغنية ، تفيد حبه لمهنته و أبناء بلدته،و العهدة دائما على الدبلجة....بدوره يتوقف بغثة،كما الشرير حين توقف،الحياة تقاطع المتناقضات رغما عنها.....
يتكلم كثيرا،و لا ترد عليه هيمامالي،نفهم أنه يعي جيدا ما وقع لها، و يعرف بحكم مهنته و تمكنه من خباياها، اسم الشرير، و العهدة دائما على الدبلجة،و يطلق صرخة التوعد....لا ندري إن كانت هذه أول حالة اغتصاب يباشرها الشرطي الطيب، أم أن الدبلجة خدعتنا في تفصيل العلاقة بينه و بين هيمامالي؟؟؟
تبدأ المطاردة على ذات العشب الأخضر الذي زحفت فوقه هيمامالي، من الكوخ المهجور لحدود قارعة الطريق،المعركة على أنغام موسيقى و رقص،يسيل قليل من الدم من جنبات فم الشرطي، يلعقه بيده و يصدر إشارة بعينيه،السينما الهندية وحدها من تتكلم فيها العيون لغة الحركات الرياضية،التفاصيل كثيرة لكن الشرير ينتهي صريعا.....
لم تخدعنا الدبلجة، الفيلم ينتهي بزواج الشرطي بهيمامالي.......
شكرا للقناة الأولى التي خلصتنا من جلد الوعي الذي مارسه ضدنا ياسين عدنان منذ ما يزيد عن أربعة سنوات......فما نعيشه من حراك في مجتمعنا لا يحتاج لمن ينبش بلحم الأظافر كي نفهمه...
تعليقات
إرسال تعليق