حين تتحالف الدولة و التياسر و العدل و الإحسان




هناك حوار صم يبنى حجرا حجرا، بين الدولة ، و أعني هنا بالدولة ،المؤسسة الملكية الحاكمة الفعلية في كل مجريات الشأن العام،بأجهزتها الأمنية المختلفة،المنسقة بينها و المتعاركة فيما بينها،و بحكومتها الشبه منتخبة،و بإعلامها الأحادي البصر و الفاقد للبصيرة،من جهة،و بين جزء من الحراك الاجتماعي،المتمثل في حركة العشرين من فيراير،في أصلها الأول الذي تجاوب معه كل المجتمع تقريبا، و في نسختها المحرفة، التي بدأ تصدر بعض الزفرات التي لا يتأسس حولها إجماع شعبي، من جهة أخرى.
الحجر الذي زاد السور علوا،مظاهرات الثامن و العشرين و التاسع و عشرين من ماي،و التي ووجهت بعنف غير مسبوق،لا يمكن للناطق الرسمي باسم الحكومة أن ينفيه،و لا أن يبرره بكون الشرطة تعرضت للاستفزاز،فالأحداث كلها موثقة في فيديوهات تتجول في الشبكة العنكبوتية ، و توجه رسالة واحدة للمغاربة،من جهة و للعالم من جهة أخرى،مفادها أن المغرب يقتل أبناءه فقط لأنهم خرجوا للتظاهر بشكل سلمي...
لا شيء يمكن أن يبرر ضرب المرأة بالجلباب الأسود، الذي تريد حماية ابنها أو أخيها الذي لم يكن من المتظاهرين، بل متوجها لعمله،ليجد نفسه مهشم الوجه،لا شيء يبرر ضرب ذات المرأة و هي تحاول  التقاط ابنها الصغير،حافي القدمين و وسخ الوجه، يذكرنا بكل المآسي و الحروب التي عرفتها المجتمعات المتخلفة...
تبرر الدولة سلوكها الخشن هذا، بكون حركة العشرين من فبراير تم الاستيلاء عليها من طرف جماعة العدل و الإحسان، و بعض الأحزاب اليسارية الجذرية،و هو إن كان تبريرا صحيحا في بعض الحدود، فإنها لم تقدم للمجتمع السبب الكافي و المقنع الذي يجعلها تتدخل اتجاه هذين الفريقين بالضبط ، بذات الخشونة، و عدم لجوءها للعنف حين يتعلق الأمر بفرقاء آخرين...
سلوك العنف هذا،و وضع الفريقين في سلة واحدة، و لجوء ذات الفريقين للتشبث بسلمية المطالب و معقوليتها،يقوي وحدتهما من جهة، و يزرع الكثير من الشك و البلبلة اتجاه نوايا الدولة، و يزداد سور حوار الصم المشار إليه أعلاه علوا، بما ينذر بتحول الفعل الاحتجاجي السلمي ، و الذي ميز المغرب منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، و حتى قبل ما أصبح يسمى ربيعا ديمقراطيا عربيا،إلى وجهات باتت سيناريوهاتها معروفة في التجربة الليبية و اليمنية و السورية....
ما الذي يمنع الدولة لدعوة العدل و الإحسان لحوار جدي،في ظل تكبيلها بما التزمت به ، كأفق للإصلاح ضمن حركة العشرين من فبراير؟ما الذي يمنع الدولة من ذات الممارسة اتجاه من تسميهم باليساريين الجذريين؟
الدولة في اعتقادي لا تعدم وسائل و حيل ، لجر الفريقين لحوار جدي، متى توفرت إرادة الجدية، لكن باعتقادي أن الوضع بما هو عليه،تستثمر فيه ،أي الدولة، الكثير من الجهد و المراوغة،في أفق تشذيب شجرة الاقتراحات التي أورقت فجأة ذات التاسع من مارس،خوفا و ارتعاشا، و ليس استجابة لنبض شارع و استباقا لتطلعاته....
تراهن الدولة ربما، و هنا تلتقي مع كل العدميين في جر المغرب للأسوأ،  على وهن نفس الضغط العربي، من أجل تقليص مفعول الإصلاحات التي يتطلع إليها المغاربة في غالبيتهم العظمى، و المتمثلة في دولة عصرية حداثية ديمقراطية،تتقلص فيها الفوارق الاجتماعية و تتساوى فيها الفرص بين أبناء الوطن جميعهم،من خلال دستور ديمقراطي و حلم مغربي مملوك لكافة المواطنين....
تستعمل الدولة في تقويض المشروع المتطلع إليه، آليات إكراهها، بافتعال احتقان اجتماعي، تساعدها في ذلك ربما جماعة العدل و الإحسان و بعض المتياسرين.....في هذا تلتقي العدمية و الكثير من الرجعية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

همس في أذن جثة متعفنة

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الصورة كإنجاز دبلوماسي وسياسي

السفارة في العمارة

الإستخفاف الموجب للمقاطعة

إرهاب العارف....في منع مشارف

بعد رصيف القيامة، قارعة الطريق ، للشاعر عدنان ياسين، تفاعلا مع 20 فبراير