دسترة الحق في قضاء الحاجة:التبول نموذجا




بعد شهر و أيام قلائل، من خطاب التاسع من مارس،أخبركم أصدقائي، و أعدائي على السواء، أنني أصبحت فقيها في القانون الدستوري....
راجعت أمهات الكتب، و أبائها، و إن لا أباء لها،حضرت نقاشات عديدة، لأحزاب سياسية ، منفردة و مجموعة، لجمعيات حقوقية و غير حقوقية، لمعاهد جامعية عليا، و كليات،  لمؤسسات دراسية و إنتاجية، لشركات خدمات الحراسة الليلية، و إنتاج الصابون الأسود، و هي تنظم لفائدة عمالها، و زبنائها و منافسيها، ندوات و موائد مستديرة و مستطيلة،حول الإصلاح الدستوري و دولة الحق و القانون و ما سمي بالحراك العربي الإقليمي.....
تابعت البرامج الحوارية في القنوات العمومية، و في الإذاعات الخاصة،حاورت ضيوف بعضها و ساجلت آخرين،انتقدت لجنة المانوني الاستشارية ، و طالبت بمجلس تأسيسي أو جمعية تأسيسية،نزلت للشارع متظاهرا، مطالبا بدستور ديمقراطي،شرحت للخضار الذي يبيعني القرنبيط بسعر مرتفع ، كيف أن دستورا ديمقراطيا قد يساعد على خفض نسبة السكري دون اللجوء  لحبوب منع الحمل، و كيف سيستعيد المغاربة انتصاب أعضائهم التناسلية دون الحاجة للحبوب الزرقاء......
تابعت مقترحات الأحزاب و المنظمات التي تقدمت بها أمام اللجنة الاستشارية،تابعت دور الشرطي الذي تمارسه الآلية الحزبية برئاسة المستشار المعتصم....اعتبرت بالمناسبة أن رئاسته لهذا الآلية كانت بفعل رمزية اسمه، فهي حتما ستعتصم بحبل الدستور القديم و لن تتزعزع قيد أنملة عما نحن فيه...
ما شد انتباهي في مسلسل التعلم الدستوري هذا، هو مصطلح الدسترة،و الذي تكرر في كل المحطات السالفة الذكر،دسترة الحقوق،دسترة توصيات هيئة الإنصاف و المصالحة، دسترة مدونة الأسرة، دسترة سمو المواثيق الدولية على القانون الوطني،دسترة الحق في الماء،دسترة الأمازيغية، دسترة المكون الأندلسي، دسترة اللهجة الحسانية.....
الدسترة هي تضمين الدستور للموضوع المشار إليه، بغية تحصينه و إعطاءه قوة قانونيا لا جدال حولها،و الدسترة تعني في مقاربة أخرى، عدم الثقة في آليات تنفيذ القوانين التي هي أدنى من الدستور،و هو ما يجعلني أفكر في المطالبة بدسترة التطبيق الحرفي للقانون، و هي دسترة إن كانت بالفعل حامية و محصنة، تكفي دون إطناب وليدنا الدستوري المقبل بكل هذه الدسترات....
دون ذلك يصعب تحديد الحقوق الأساسية،من أجل ترتيب أولويات الدسترة، و في اعتقادي مثلا أن من أهم هذه الحقوق ، و التي لم تطالب بها أي جهة، هي حق قضاء الحاجة، أي التغوط و التبول، كلما فاجأتك الحاجة إلى ذلك....
الجميع يعي الإحراج الكبير الذي يخالج المواطن، و هو على أهبة التخلص من الفائض المستهلك في جسمه،دون أن يجد المكان المناسب، الذي يمكنه من ذلك، في شروط تحفظ كرامته و إنسانيته...الإحراج يزداد حين يكون المواطن مصابا بارتخاء في مكابح مخارجه،و الذي قد يؤدي به لممارسة هذا الحق بشكل تعسفي، في أماكن غير معدة لذلك....
هناك مناحي عديدة للحياة تحتاج الدسترة، إن كان الدستور بالفعل هو من سينتقل بنا من هذا الخواء الذي نعيشه ، لدنيا وطن ننشده....لكنني مع كل هذا التكوين القسري الذي حشرت نفسي فيه،خلصت لقناعات محبطة:
الوثيقة الدستورية في وطننا غير ملزمة، ما دامت أنها وليدة موازن قوى ،الفاعل الأساسي فيها و هو المخزن، مرتبك، و الفاعل المهم فيها، و هي قوى الشعب، متراخية....
الدول التي أنتجت دساتير قوية،حطمت البنيات القديمة التي كانت تحكمها،و أعادت تأسيس علاقة الحاكمين بالمحكومين وفق تعاقد مدني، هو المتجلي في الدستور، و نحن باسم الخصوصية، ننشد التغيير في ظل الاستمرارية....نفس الاستمرارية التي سترمي بعرض الحائط الوثيقة الدستورية و تحكم بالمزاج العرفي....
لعلني مخطئ......و لو أنني اشك في ذلك




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بؤس الصحافة: سمبريرو العالمي وكاغيد الأحداث المغربية

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الأكراد يرفضون عرض الداعشية العلمانية...

رسالة للصديقة سناء العاجي.....أو حين يزهر شجر اللوز رغم صقيع اللغة

الأميرة و الوحوش......و خرفان الحداثة

المعادلة الصعبة