العهد الجديد....نسخة مزيدة و منقحة
أوردت وكالة المغرب العربي للأنباء، بيانا لوزارة العدل، يفيد أنه تم إطلاق سراح مائة و تسعين سجينا،بموجب عفو ملكي...التاريخ، يومه 14 أبريل ميلادي،الموافق للعاشر من جمادى الأولى هجري،لا مناسبة دينية و لا عيد وطني ، يفرض مثل هذا الإجراء، وحده ملتمس رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان و أمينه من كان، حسب بيان وزارة العدل،وراء إصدار هذا العفو....
الذين أفرج عنهم، بموجب هذا الملتمس،هم ضحايا لشكل من أشكال الاعتقال الغير قانوني، أو ممن لم تتوفر لهم شروط المحاكمة العادلة ، و منهم أساسا من أصبحوا يلقبون بالمعتقلين السياسيين،خاصة الستة منهم، ضمن ما سمي بخلية بليرج....
الذين أفرج عنهم،تم اعتقالهم في العشرية الأخيرة ، التي عرفت تولي الملك الجديد عرش المملكة،و هي نفس العشرية التي عرفت خطابا جديدا،سمي على مستوى التدبير العمومي،مفهوما جديدا للسلطة،و على المستوى الحقوقي مصالحة وطنية.....تجسدت أساسا في ورش الإنصاف و المصالحة الذي قاده المرحوم إدريس بنزكري،و أثمر توصيات ، أصبحت محورية في النقاش العمومي في مرحلة الحراك السياسي الراهن.....
من أهم شعارات هذه التوصيات، عدم تكرار ما جرى، بمعنى عدم تكرار حالات الاعتقال السياسي كما عرفه مغرب ما قبل وفاة المرحوم الحسن الثاني،و مع ذلك ،أنتجت العشرية الأولى ما بعد سنوات الرصاص، معتقليها السياسيين، و سجناء رأي و مواطنون زج بهم في آتون محاكمات و سجون بدون موجب حق و لا شرع....
العفو الصادر يومه في حق هؤلاء،كالسيف له حدين ،الأول اشحذ من الثاني،فهو ربما تصحيح لأخطاء وقعت فيها الدولة،ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء،و تمكنوا بفضل هذا العفو أن يستعيدوا حريتهم....و هو من جهة أخرى بصم بالعشرة، على لون الرصاص الذي طبع العشرية الأولى من حكم الملك الجديد....
في بعد ثالث،العفو هو تنبيه للغفلة التي زج فيها، بالمواطن، و هو يصدق خطابات الدولة ، حول العهد الجديد، و حرية التعبير و دولة الحق و القانون، و الحكامة الجيدة، الأمنية منها و السياسية،و هو تغفيل استعملت فيها كل أدوات الإكراه المادي و المعنوي،بدءا من بسط اليد على كل مناحي الاشتغال الاقتصادي، إلى التحكم الفج في المشهد الإعلامي و السياسي،مما أدى لإنتاج خطابا واحدا و متوحدا، يفيد أن ديمقراطية العهد الجديد مهددة بمن يستنشقون هواء آخر، غير ما تنفثه بطانة السلطان في سماء المجتمع...و بفعل هذا الإكراه،صدق الكثير من المواطنين هذه الترهات، و انخرطوا بنخبهم، ساسة و مثقفين و غيرهم في جوقة الدفاع السمج عن أطروحات الدولة....
و الحالة هذه....ما الذي يجب ؟ مسلسل مصالحة آخر؟ هيئة إنصاف أخرى؟سيزيف آخر يشبه إدريس بنزكري؟ و توصيات أخرى؟ ما الذي يضمن، بعد هدوء هذا البركان ، أن لا يتم الحنين مرة أخرى للهيمنة ، بوسائل إكراه أخرى؟ما الذي يضمن عدم تكرار ما جرى؟ في العشرية الأولى للملك محمد السادس، لا سنوات رصاص الحسن الثاني؟
و الحالة هذه، هل يكفي إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين لطي الصفحة؟ ألا تستوجب المرحلة، تفعيل توصية الاعتذار ، الصادرة من أعلى سلطة في البلاد،لمجموع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،الموروثة من الأب، أو الوليدة لحظة اشتداد عضد؟ ألا يجب محاسبة المتورطين في مآسي هؤلاء الأبرياء، بما يجعلهم عبرة للذين سيديرون العهد الجديد في نسخته الثانية؟.....
لعل المجال الذي يفتحه الورش الدستوري، كفيل بإعطاء أجوبة كثيرة لكل الإشكالات، شريطة أن تتخذ مبادرات من أجل تصحيح مساره، بإعادة النظر في الهيأة المكلفة بصياغته ، بما يتماشى و إنتاج دساتير ديمقراطية،و بما يتماشى و مطالب المجتمع المعبر عنها في محطاته النضالية الكبرى.....
تعليقات
إرسال تعليق