مشروع الدستور و التوجس المشروع
ابتهجت كثيرا، و أنا أستمع للخطاب الملكي يوم التاسع من مارس،ابتهجت أكثر و أنا أعيد قراءته مرة أولى و ثانية و ثالثة....في الموقع الرسمي لوكالة المغرب العربي للأنباء، و في عديد من الجرائد التي أعادت نشره في الأيام اللاحقة.....
ابتهاج ما فتئ يفتر يوما عن آخر،و أنا أتابع مسارات النقاش الذي خلقته مبادرة العشرين من فبراير، و قبلها الحراك الثوري العربي و الإقليمي، و بعدهما الخطاب الملكي.....
بدأت أعتقد أن الخطاب الملكي، و ما تضمنه من تركيز على الإصلاح الدستوري، بتلك الشحنة الإستباقية، هو نوع من الالتفاف الفعلي على ديناميكية الحركية الاجتماعية،بل أضحت ما يسمى بالعشرين من فبراير، و هي على كل حال ، حركة هلامية،نوع من فرملة هذا المد الذي كان لا بد له أن ينخرط في دينامية التغيير الجذري،بما تعنيه أساسا الاشتغال على خلق مقومات تملك المجتمع لكل مشاريع الإصلاح المقترحة عليه....
لم تكن مطالب الإصلاح الدستوري، إلا جزء من حزمة مطالب عديدة، اجتماعية و اقتصادية و سياسية، من توفير سبل العيش الكريم للمواطن، من شغل و سكن و تطبيب، إلى إعادة صياغة شكل الحكم في أعلى جهاز للدولة،مرورا بمحاربة الفساد، و مغادرة أشخاص بعينهم المجال العمومي و غيرها من المطالب....
هي مطالب ذات تكلفة مادية أكيدة، قد تجعل الدولة تعيد التفكير في الكثير من آليات تدبيرها للمالية العمومية، كي تتمكن من الوفاء بها و احتواء المطالبة بها، و هو ما لا طاقة لها بها في ظل الأزمة البنيوية الخانقة التي يعيشها النسيج الاقتصادي في ارتباطه بالأزمة الاقتصادية العالمية....
يأتي الخطاب الملكي،بعناصر الإصلاح الدستوري، ليس كجواب على مطالب حركة العشرين فبراير،التي لم ترفع هذا المطلب،إلا كجزء من حزمة مطالب عديدة و جوهرية،بل كالتفاف على الإشكالية الاجتماعية، بمبادرة سياسية أقل تكلفة على المستوى الاقتصادي،و رب قائل أن التكلفة السياسية للإصلاح الدستوري، في رمزيتها ،هي أكثر من الكلفة الاقتصادية،قد يكون غير مبصر أن هذا التحول الدستوري كان مبرمجا في حركية المجتمع التاريخية، أي ما دام أنه قادم قادم، فلما لا يتم استعماله لتطويق و امتصاص الديناميكية المجتمعية،المتحولة في حركيتها باتجاه تغيير شامل لبنيات هذا المجتمع.....
الاستباق هذا،كان مدفوعا بالمعطى الإقليمي، الذي فأجا الجميع، بمن فيهم أجهزة الرصد و التتبع الدولية،و قد فاجأت سرعة العدوى، من تونس لمصر ثم لليبيا و اليمن و البحرين،القائمين على الشأن الوطني، مما جعلهم يستعجلون هذه الإجراءات،في أفق امتصاص شحنة الغضب المتولدة عن العدوى أساسا، و المحمولة على الاختلالات الاجتماعية و الاقتصادية التي يعرفها البلد....
مع توالي الأيام،و بعد المأزق الذي عرفته الثورة في ليبيا و المآل الذي أخذته و الذي انتهى بالتدخل الدولي في صراعها الداخلي،تسرب بعض من الوهن لجسم الاحتجاج الوطني،و بدأت تخبو جذوة الاشتعال الشبابي، خاصة إذا لاحظنا أن حركة العشرين من فبراير، لم تستطع حشد الالتفاف الجماهيري الشبابي حول هيكلها،و ملاحظة أن أغلب الذين خرجوا في مظاهرات العشرين من فبراير و العشرين من مارس، هم ما فوق سن الشباب......
كل هذا جعل "مسامير الميدا"،يخرجون من جحورهم مرة أخرى،أحزاب لعبت دائما دور كلب الحراسة لشكل الدولة القائم، تقدم مشروع إصلاحات دستورية يتراجع في مضامينه عما هو قائم حاليا، المجلس الأعلى للعلماء يحشرون أنفهم في ما لا يدخل ضمن اختصاصهم، و يحاولون ، باسم الدين الذي يطالب العديد بفصله عن الدولة، بلجم محاولة تحويلها من مؤسسة ثيوقراطية لمؤسسة مدنية،دفع بعض المؤسسات التي لم يكن يسمع لها صوت سابقا، و غير معنية بشكل مباشر بهذا الحراك، لتنظيم ندوات و إغراق الهيئة الاستشارية بالكثير من المقترحات-التغطية التلفزية لليومين الدراسيين الذي نظمتهما كلية الحقوق بالسطات-....الخ
ربما يجب التفكير في إعادة بناء الحركة الاحتجاجية،بما يجعل المطالب الملحة للكثير من المواطنين في صلب شعاراتها، و في صلب الاستجابة لها من طرف الدولة.....و يبقى مشروع الإصلاح الدستوري،في هذا التوازي الذي سيضمن نجاحه حتما.
تعليقات
إرسال تعليق