حتى نشفى من البكم



الإشارات السياسية،هي رسائل يوجهها فاعل سياسي لفاعلين سياسيين آخرين، يقتسم معهم نفس الحقل السياسي،خصوما كانوا أم حلفاء،تتضمن عناصر أجوبة على موقف ما،سلبا أو إيجابا....
تتكاثف لغة الإشارات السياسية، في حقل سياسي و اجتماعي متوتر،يعيش غليانا يحدد بشكل أو بآخر، سيناريوهات تحول ممكنة، في اتجاه سلمي وفق توافقات معينة، أو في اتجاه صدامي حين تغيب ذات التوافقات، هذه الأخيرة تكون محكومة بموازين قوى ، تضعف أو تقوي هذا الفاعل أو ذاك...
تتكاثف لغة الإشارات أيضا، في حقل سياسي تراتبي، لا يقف فيه الفاعلون السياسيون  على نفس المستوى،مما يغيب الحوار الصريح بينهم،و تنسج حصيرة التوافق بالإشارات المكوكية ،من تنازل و تصعيد، من هذا الطرف أو ذاك،إلى حين تتراخي فيه موازين قوى الطرف القوي، و تشتد قليلا نفس الموازين للطرف الضعيف،فيدخل الحقل السياسي في ستاتيكو زمني، تعتمل داخله حركية أخرى في أفق إفراز لحظة صراع مستقبلية....و هكذا دواليك.
لا يشذ الحقل السياسي المغربي عن هذه القاعدة،حيث لا حوار بين الفاعل المهيمن ،و هو المؤسسة الملكية،و الفاعل المؤطر و هي الأحزاب السياسية و المجتمع المدني، و الفاعل المحدِد و هو الشارع، بتعبيراته المختلفة،جمعيات معطلين،احتجاجات سلفيين، و أخيرا حركة العشرين من فبراير...
المشهد السياسي يُغزَلُ بلغة الإشارات،تهديئا لمرجل مستعرة ناره، أو تصعيدا ضد تهميش سياسي،مرد لغة الإشارات هذه،لنزعة التعالي التي طبعت الحقل السياسي المغربي منذ الاستقلال،فالملكية كانت تعتبر نفسها، و لازالت ، أنها الحاكمة الوحيدة في البلد،و الهوامش التي سمحت بها للفاعلين الآخرين،هدفت أساسا لإعطاء هذا الطابع الفرداني للحكم شرعية، و تمت أساسا بلغة الإشارات، لا وفق حوار ديمقراطي صريح....
في اللحظة الراهنة، المسربلة برذاذ الثورات العربية،تَكَثفت لغة الإشارات في الحقل السياسي المغربي،بل وتم تجنيد ترسانة إعلامية مكتوبة و مسموعة مرئية، من أجل إبلاغ هذه الإشارات من جهة،و من أجل شرحها لدرجة أنها فقدت رمزيتها كإشارة، و أضحت تجاوبا واضحا، و حوارا صريحا....
خرج شباب العشرين فبراير للشارع من أجل المطالبة بإصلاحات جوهرية، و كان الخطاب الملكي للتاسع من مارس، تجاوبا مع هذه المطالب و إشارة سياسية في ذات الوقت.....
عقب الخطاب الملكي،فُتِح نقاش عمومي حول ورش الإصلاح السياسي برمته، و ليس الدستوري وحده،وتحدث فاعلون عن تنقية الأجواء السياسية، و إرساء أجواء الثقة ، فكان إطلاق سراح المعتقلين السياسيين،و السمو بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لمؤسسة وطنية، و إنشاء مؤسسة الوسيط بدل ديوان المظالم، و تعيين مندوب لحقوق الإنسان لدى الوزير الأول...
تحدث المجتمع السياسي عن محاربة الريع و الرشوة و الفساد، فتم تحريك المجلس الأعلى للمنافسة، و الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة،و قبلهما تفعيل المجلس الاقتصادي....
الإشارات السياسية، ليست دائما هي جواب من المؤسسات الملكية باتجاه الفاعلين الآخرين،و ليست بالضرورة متخذة للشكل الايجابي....
معظم الأحزاب السياسية، حجمت عن المس بالفصل التاسع عشر من الدستور، في إشارة امتنان  ، أو خوف، من المؤسسة الملكية،كما أن العديد منها منع أعضائها من المشاركة في مسيرات العشرين من فبراير، و آخرون حجبوا أخبار هذه المسيرات في جرائدهم،و غيرها من الإشارات العكسية ، كجواب على ما سلف ذكره....
الاستمرار في تدشين المشاريع الكبرى،و الانفراد بقرار زيادة الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعمال الزراعيين، في الرسالة الملكية لأشغال المناظرة السادسة للفلاحة، المنعقدة بمكناس،هي إشارات سياسية، جوابية على دعوات التي تنادي بملكية تسود و لا تحكم،لأن الإشارة التي كانت تفيد بالتجاوب و هذا المطلب، هي الامتناع، في لحظة التعديل الدستوري هذه، على ممارسة الحكم كما هو مأمول التنصيص عليه في الدستور المقبل....
وجود لغة الإشارات ذاته إشارة سياسية كبيرة، تفيد أنه لا زال على البلد القيام بالكثير من الجهود، من أجل إرساء حوار ديمقراطي صريح، بلسان اللغة و المواقف، لا بالإشارات كالبكم....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بؤس الصحافة: سمبريرو العالمي وكاغيد الأحداث المغربية

لماذا أنا مسلم غير ممارسpourquoi suis je un musulman non pratiquant

الأكراد يرفضون عرض الداعشية العلمانية...

رسالة للصديقة سناء العاجي.....أو حين يزهر شجر اللوز رغم صقيع اللغة

الأميرة و الوحوش......و خرفان الحداثة

المعادلة الصعبة