الرائحة كريهة....و الدستور ليس معطِراً
شخصيا لا أريد دستورا جديدا، ديمقراطيا كان ، منبعثا عن مجلسا تأسيسيا، أو ممنوحا بقفازة اسمها المنوني...لا أريد كذلك محاربة فساد، و لا تحقيقا فيما يقع في المقالع، كما لا أريد حل الحكومة و لا البرلمان،و لا أريد لأحد أن يرحل، كي لا يشط تفكير البعض للأبعد...
لا أريد إلغاء مهرجان موازين،و لا متابعة المتورطين في جرائم المال العام الذي نشر غسيلهم تقرير المجلس الأعلى للحسابات، كما لا أريد محاكمة عباس الفاسي عما سمي ذات سنوات بفضيحة النجاة، و لا أريد حل حزب الأصالة و المعاصرة و لا فتح تحقيق في تفجيرات السادس عشر من ماي .....
أريد أن يقف كل هذا اللغط....أن تقف عقارب الزمن في هذا البلد، أن نكف عن الحياة و عن العيش الموسوم بالجدل العقيم...
هناك في شمال المغرب،في مدينة الحسيمة الجميلة،رائحة حريق كريهة تنبعث من جثث شباب ،تفحمت أجسادهم ليلة العشرين من فبراير لهذه السنة.......
قدمت وسائل الإعلام خبر فجيعتهم، على أنهم لصوص حاولوا استغلال الفوار الشعبي لذلك اليوم، من أجل نهب الوكالة البنكية....قلت مع نفسي، هي الفجيعة حتما، لكنهم مسؤولون عما آل إليه مصيرهم....
الآن، وأسبوعية الأيام ترصد ملامح هذه الكارثة،تستل بين سطورها رائحة القتل الكريه....
ماذا يعني الحديث عن اكتشاف الأربعة جثث بمعزل عن عملية اكتشاف الجثة الأولى ، لحظة إخماد الحريق؟ إذ أن الحديث يروج على أن الجتث الأربعة تم اكتشافها في اليوم الموالي على الساعة السادسة صباحا؟؟؟
ماذا يعني الحديث عن حريقين، الأول شب لحظة التظاهرات، و الثاني على الساعة الرابعة صباحا لليوم الموالي؟؟المخربون أضرموا الأول ، و الثاني من الذي أوقد ناره؟
ماذا تعني شهادة الشاب الذي التقى ،عادل، بائع السمك، على الساعة العاشرة ليلا، و الحريق المعلن عنه رسميا، تم إخماده على الساعة السادسة مساءا؟
ماذا يعني رفض الدولة،و الدولة بالنسبة لي تشمل النيابة العامة و القضاء،إذ لا أعتقد بتاتا في انفصالهم عن بعضهم،أن تطلع الأسر، و الجمعيات الحقوقية، و دفاع الضحايا، على شريط التصوير بالكاميرا، و الذي قد يحل ألغازا كثيرة؟
الاحتراق لحظة عصبية رهيبة،تستنفر معها و بها كل عضلات و عظام و أعصاب المحروق،و أستغرب كيف أن الجثث في صورة المنشورة في أسبوعية الأيام، الصفحة 22 و 23 ،تظهر جتثا متفحمة في أوضاع الاستلقاء،كأنها مدت عنوة لإحراقها....
أضن أن هناك جريمة قتل ، أقدمت عليها قوات القمع، في زقاق المدينة، أو في أقبية الشرطة، و تم نقل الجثث إلى حيث مكان الحريق، و تم إضرام النار في البناية من جديد،و هو ربما ما أدى إلى عدم تفحم الجثث بنفس درجة تفحم الجثة الأولى، في الوقت الذي كان يجب أن يكون العكس، بما آن الجثة الأولى كانت على مقربة من المدخل، بينما النار أتت على ما بالداخل أساسا...
الجريمة لم تقع في سبعينات القرن الماضي، و لا في سنوات التخدير، في العشرية الأولى للعهد الجديد....الجريمة وقعت إبان هذا الحراك الشعبي و العربي، و الذي تدعي الدولة أنها تستجيب لمطالب فاعليه، بإقرار تعديلات دستورية، و إشارات سياسية ....
و لأنها تدعي ذلك، فمن المفروض أن يتم إيقاف كل هذه العروض المسرحية، لحين الكشف التام على حقيقة ما وقع في الوكالة البنكية،التابعة لمؤسسة البنك الشعبي،في مدينة الحسيمة ليلة العشرين و الواحد و العشرين من فبراير لهذه السنة....
تتحدث السيدة عائشة عن ابنها عادل،الذي كان يعيل الأسرة بعمله المضني في بيع السمك،تقول عنه عاديلينو،آي بالريفية،ابني عادل...و تبكي....
بأي طعم سيكون هذا الدستور،و رائحة عادل،و جمال، و جواد، و نعيم،تملئ الفضاء عبقا كريها،و توجسا بأن القتلة بيننا من سيمنحونه إيانا....
تعليقات
إرسال تعليق